منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( عيون الأثر الجزء الأول والثاني ))) |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
((( عيون الأثر الجزء الأول والثاني )))
ذكر نسب سيدنا و نبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، و يدعى شيبة الحمد ، ابن هاشم ، و هو عمرو العلا ، بن عبد مناف ، و اسمه المغيرة ، بن قصي ، و يسمى زيداً ، و يدعى مجمعاً أيضاً قال الشاعر : أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر ابن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك بن النضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، ابن عدنان . هذا هو الصحيح المجمع عليه في نسبه ، و ما فوق ذلك مختلف فيه . و لا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام ، و إنما الخلاف في عدد من بين عدنان و إسماعيل من الآباء ، فمقل و مكثر ، و كذلك من إبراهيم إلى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله تعالى . روينا عن ابن سعد : " أخبرنا هشام ، أخبرني أبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ، ثم يمسك و يقول : كذب النسابون . قال الله عز وجل : " وقرونا بين ذلك كثيرا " [ الفرقان : 38 ] " . و قال ابن عباس : لو شاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعلمه لعلمه . و عن عائشة رضي الله عنها : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء عدنان و لا قحطان إلا تخرصاً . و قد روي نحو ذلك عن عمر و عكرمة و غير واحد . و و الذي رجحه بعض النسابين في نسب عدنان أنه ابن أد ، بن أدد ، بن اليسع ، ابن الهميسع ، بن سلامان ، ابن نبت ، بن حمل ، بن قيذار ، بن الذبيح إسماعيل ، بن الخليل إبراهيم ، بن تارح ـ و هو آزر ـ بن ناحور ، بن ساروح ، بن أرغو ، بن فالخ ، بن عابر ، بن شالخ ، بن أرفخشذ ، بن سام ، بن نوح ، بن لمك ، بن متوشلخ ، بن أخنوخ ـ و هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يارد ، بن مهلعيل بن قنان ، بن أنوش ، بن شيث ـ و هو هبة الله ـ بن آدم ، عليهما أفضل السلام و السلام . " أخبرنا أحمد بن إبراهيم الفاروثي الإمام بدمشق ، أنبأنا الحسين بن علي العلوي ببغداد ، أنبأنا ابن ناصر قراءة عليه و أنا أسمع ، أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر الأنباري ، أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الواحد بن الفضل الفراء ، أنبأنا الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله بن طاهر الحسيني ، حدثنا أبو سليمان أحمد بن محمد المكي بالمدينة سنة تسع و تسعين و مائتين ، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن ابن أبي ذئب ، عمن لا يتهم ، عن عمرو بن العاصي ، فذكر حديثاً و فيه : ثم قال : يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اختار العرب على الناس ، و اختارني على من أنا منه ثم قال : أنا محمد بن عبد الله . . . حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال : فمن قال غير هذا فقد كذب " . و به " عن عبد العزيز بن محمد ، عن ابن أبي ذئب ، عن جبير بن أبي صالح ، عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قيل : يا رسول الله ! قتل فلان ـ لرجل من ثقيف ـ فقال : أبعده الله إنه كان يبغض قريشاً " . و روينا من طريق مسلم ، " حدثنا محمد بن مهران الرازي ، و محمد بن عبد الرحمن بن سهم ، جميعاً عن الوليد ، قال ابن مهران : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار شداد : أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، و اصطفى قريشاً من كنانة ، و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم " . و العرب على ست طبقات : شعب و قبيلة و عمارة و بطن و فخذ و فصيلة . و سميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها . و سميت القبائل لأن العمائر تقابلت عليها ، فالشعب يجمع القبائل و القبيلة تجمع العمائر ، و العمارة تجمع البطون ، و البطن تجمع الأفخاذ ، و الفخذ تجمع الفصائل ، فيقال : مضر شعب رسول الله صلى الله عليه و سلم و كنانة قبيلته ، و قريش عمارته ، و قصي بطنه ، و هاشم فخذه ، و بنو العباس فصيلته . هذا قول الزبير ، و قيل : بنو عبد المطلب فصيلته ، و عبد مناف بطنه ، و سائر ذلك كما تقدم . و قيل : بعد الفصيلة العشيرة و ليس بعد العشيرة شيء . و قيل الفصيلة هي العشيرة ، و قيل غير ذلك .
|
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب ـ آمنة بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب ـ و كانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب ـ آمنة بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب ـ و كانت في حجر عمها وهيب بن عبد مناف قال الزبير : و كان عبد الله أحسن رجل مرئي في قريش قط ، و كان أبوه عبد المطلب قد مر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى ، و هي أخت ورقة بن نوفل ، و هي عند الكعبة . فقالت له : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي . قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك ـ و كانت مائة ـ وقع علي الآن . قال : أنا مع أبي و لا أستطيع خلافه و لا فراقه . و أنشد بعض أهل العلم في ذلك لعبد الله بن عبد المطلب : أما الحرام فالممات دونه و الحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه و دينه أخبرنا الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي سماعاً بدمشق ، أنبأنا الأمير أبو محمد الحسن بن علي العلوي ببغداد سماعاً عليه ، قال : أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد ابن ناصر بن محمد بن علي السلامي قراءة عليه و أنا أسمع ، قال : أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر ، أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب الفراء ، أنبأنا الشريف أبو جعف محمد بن عبد الله الحسيني ، حدثنا أبو بكر الخضر بن داود بمكة ، حدثنا الزبير بن بكار ، حدثني سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " [ التوبة : 128 ] . قال : أحدكم من أنفسكم ، لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية . قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح " . و روينا عن ابن سعد قال : أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، قال : كتبت للنبي صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم ، فما وجدت فيهن سفاحاً و لا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية . و روينا مرفوعاً " من حديث ابن عباس و عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم : خرجت من نكاح غير سفاح " . رجع إلى الأول : فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف بن زهرة و هو يومئذ سيد بني زهرة سناً و شرفاً ، فزوجه آمنة بنت وهب ، و هي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً و موضعاً ، فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها ما لك : لا تعرضين علي اليوم ما عرضت بالأمس ؟ فقالت له : فارقك النور الذي كان معك ، فليس لي بك اليوم حاجة . و قد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل أنه كائن في هذه الأمة نبي . قال أبو عمر : كان تزوجها و عمره ثلاثون سنة ، و قيل خمس و عشرون ، و قيل بينهما ثمانية و عشرون عاماً . و تزوج عبد المطلب في ذلك المجلس هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة و المقوم و حجلاً و صفية أم الزبير ، قال محمد بن السائب الكلبي : لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة أقام عندها ثلاثاً ، و كانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ، و يزعمون فيما يتحدث الناس ـ و الله أعلم ـ أن أمه كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به ، فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، ثم سميه محمداً . و من طريق محمد بن عمر : عن علي بن زيد ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أبيه ، عن عمته ، قالت : كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول : ما شعرت بأني حملت به ، و لا وجدت له ثقلة كما تجد النساء ، إلا أني نكرت رفع حيضتي ، و ربما كانت تقول : أتاني آت و أنا بين النائم و اليقظان فقال : هل شعرت أنك حملت ؟ فكأني أقول : ما أدري . فقال : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة و نبيها . و ذلك يوم الاثنين . . الحديث ، و فيه : و أمهلني حتى دنت ولادتي أتاني فقال : قولي ، أعيذه بالواحد . و عن الزهري قال : قالت آمنة : لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر وفاة عبد الله بن عبد المطلب
قال ابن إسحاق : ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن هلك و أم رسول الله صلى الله عليه و سلم حامل به . هذا قول ابن إسحاق . و غيره يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في المهد حين توفي أبوه ، رويناه عن الدولابي . و ذكر ابن أبي خثيمة : أنه كان ابن شهرين . و قيل ابن ثمانية و عشرين شهراً ـ و قبره في المدينة في دار من دور بني عدي بن النجار كان خرج إلى المدينة يمتار تمراً ـ و قيل : بل خرج به إلى أخواله زائراً و هو ابن سبعة أشهر . و في خبر سيف بن ذي يزن : مات أبوه و أمه ، فكفله جده و عمه . و روى ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمراً من يثرب فمات بها و هو شاب عند أخواله ، و لم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه و سلم . و الذي رجحه الواقدي ـ و قال : هو أثبت الأقاويل عندنا في موت عبد الله و سبيه ـ أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ، ففرغوا من تجارتهم و انصرفوا فمروا بالمدينة و عبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض ، فقال : أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ، فأقام عندهم مريضاً شهراً ، و مضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله ، فقالوا : خلفناه عند أخواله بني عدي بني النجار و هو مريض ، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي و دفن في دار التابعة . قيل : كان بينه و بين ابنه عليه الصلاة و السلام ثمانية و عشرون عاماً . و قد تقدم في تزويج عبد الله آمنة ما حكي عن السلف في ذلك . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و ولد سيدنا و نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل . قيل : بعد الفيل بخمسين يوماً . و قال الزبير : حملت به أمه صلى الله عليه و سلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى . و ولد صلى الله عليه و سلم في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج : يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان . و قيل : بل يوم الاثنين في ربيع الأول ليلتين خلتا منه . قال أبو عمر : و قد قيل : لثمان خلون منه . و قيل : إنه أول اثنين من ربيع الأول . و قيل : لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل . و قيل : إنه ولد في شعب بني هاشم . و روي عن ابن عباس قال : ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل . أخبرناه أبو المعالي أحمد بن إسحاق فيما قرأت عنه ، قلت : قال أخبركم الشيخان أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن علي بن عبد السلام ، و أبو العباس أحمد بن أبي الحسين بن أبي الفتح بن صرما [ ح ] قال : و قرأت على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنبلي الزاهد بسفح قاسيون ، قال : قلت له أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي ، قالوا : أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي سماعاً عليه ، قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن النقور ، قال أخبرنا أبو الحسين علي بن عمر السكري ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل . و عن قيس بن مخرمة قال : ولدت أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل فنحن لدان . و قيل : بعد الفيل بشهر , و قيل : بأربعين يوماً ، و قيل بخمسين يوما . و ذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قال : كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم . و قد قال ذلك غير الخوارزمي و زاد : يوم الأحد . قال : و كان أول محرم تلك السنة يوم الجمعة . قال الخوارزمي : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول ، و ذلك يوم عشرين من نيسان . قال : و بعث نبيا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى و أربعين من عام الفيل ، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة و يوم ، و من مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة و تسعة أشهر و عشرون يوماً ، و ذلك ثلاث و خمسون سنة تامة من عام الفيل . و ذكر ابن السكن : من حديث عثمان بن أبي العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه و سلم ليلاً . فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور ، و إني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي . و يقال : و ضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه . و ذكر ابن أبي خيثمة عن أبي صالح السمان قال : قال كعب : إنا لنجد في كتاب الله : محمد عليه الصلاة و السلام مولده بمكة ، و عن عبد الملك بن عمير قال : قال كعب : إني أجد في التوراة : عبدي أحمد المختار مولده بمكة . و حكى أبو الربيع بن سالم أن بقي بن مخلد ذكر في تفسيره : أن إبليس لعنه الله رن أربع رنات : رنة حين لعن ، و رنة حين أهبط ، و رنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و رنة حين نزلت فاتحة الكتاب . أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي بقراءتي عليه قلت له : أخبركم الشيخان أبو عبد الله محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي ، و الأمير سيف الدولة أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأنصاري قراءة عليهما و أنت حاضر في الرابعة ، قالا : أخبرنا الفيه أبو القاسم علي بن حسن الحافظ قراءة عليه و نحن نسمع ، قال : أخبرنا المشائخ أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن الفتح بن علي الفقيه ، و أبو الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر بن الأرمنازني الصوري الخطيب ، و أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان ابن أبي الحديد السلمي ، أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد أخبرنا أبو بكر ابن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطي ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا أبو أيوب يعلى ابن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلي ، قال : حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه ــ و أتت له خمسون و مائة سنة ــ قال : لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة ، و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام ، و غاضت بحيرة ساوة ، و رأى الموبذان إبلاً صعابا تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها ، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فصبر عليه تشجعاً ، ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن مرازبته ، فجمعهم و لبس تاجه و جلس على سريره ، ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال : أتدرون فيما بعثت إليكم ؟ قالوا : لا إلا أن يخبرنا الملك . فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران ، فازداد غماً إلى غمه ، ثم أخبرهم ما رأى و ما هاله . فقال الموبذان : و أنا ـ أصلح الله الملك ـ قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ، ثم قص عليه رؤياه في الإبل . فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ قال : حدث يكون في ناحية العرب ـ و كان أعلمهم في أنفسهم ـ فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد : فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني ، فلما ورد عليه قال له : ألك علم بما أريد أسألك عنه ؟ قال : ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب فإن كان عندي منه علم و إلا أخبرته بمن يعلمه . فأخبره بالذي وجه إليه فيه . قال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح . قال : فأته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره . فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح ، و قد أشفى على الضريح ، فسلم عليه و كلمه فلم يرد عليه سطيح جواباً ، ثم أنشأ يقول : أصم أم يسمع غطريف اليمن ؟ . في أبيات ذكرها . قال : فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول : عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح و قد أوفى على الضريح ، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبذان ، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها ، يا عبد المسيح ! إذا كثرت التلاوة ، و ظهر صاحب الهراوة ، و فاض وادي السماوة ، و غاضت بحيرة ساوة ، و خمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات ، و كل ما هو آت آت ، ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح إلى راحلته و هو يقول : شمر فإنك ماضي الهم شمير لا يفزعنك تفريق و تغيير إن يمسك ملك بني ساسان أفراطهم فإن ذا الدهر أطوار دهارير فربما ربما أضحوا بمنزلة تهاب صولهم الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام و إخوته و الهرمزان و سابور و سابور و الناس أولاد علات فمن علموا أن قد أقل فمحقور و مهجور و هم بنو الأم إما إن رأوا نشبا فذاك بالغيب محفوظ و منصور و الخير و الشر مقرونان في قرن فالخير متبع و الشر محذور فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح فقال كسرى إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور و أمور . فملك منهم عشرة في أربع سنين ، و ملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فانظر إليه ، فأتاه و نظر إليه ، و حدثته بما رأت حين حملت به و ما قيل لها فيه و ما أمرت أن تسميه ، فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعوا الله و يتشكر له ما أعطاه ، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها . و ولد صلى الله عليه و سلم معذوراً مسروراً ، أي مختوناً مقطوع السرة ، و وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده مشيراً بالسبابة كالمسبح بها ، حكاه السهيلي . أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم الدمشقي بقرأتي عليه بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة فأقر به ، أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن مسلم السلمي أبو النصر الحسين بن محمد ابن طلاب ، حدثنا ابن جميع ، حدثنا عمر بن موسى بالمصيصة ، حدثنا جعفر ابن عبد الواحد قال : قال لنا صفوان بن هبيرة و محمد بن البرساني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : و لد النبي صلى الله عليه و سلم مسروراً مختونا . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر تسمية محمداً و أحمد صلى الله عليه و سلم
روينا عن أبي جعفر محمد بن علي من طريق ابن سعد قال : أمرت آمنة و هي حامل برسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسميه أحمد . و روينا عن ابن إسحاق فيما سلف أنها أتيت حين حملت به فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، و فيه : ثم سميه محمداً . و روينا من طريق الترمذي ، " حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن لي أسماء : أنا محمد ، و أنا أحمد ، و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، و أنا العاقب الذي ليس بعدي نبي " و صححه ، و قال : في الباب عن حذيفة . و روى حديث جبير البخاري و مسلم و النسائي ، و سيأتي الكلام على بقية الأسماء إن شاء الله تعالى . و ذكر أبو الربيع بن سالم قال : و يروى أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها ، زعموا أنه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء و طرف في الأرض و طرف في المشرق و طرف في المغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، و إذا أهل المشرق و المغرب يتعلقون بها ، فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق و المغرب و يحمده أهل السماء و الأرض ، فلذلك سماه محمد مع ما حدثته به أمه . و روينا عن أبي القاسم السهيلي رحمه الله قال : لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه و سلم إلا ثلاثة ، طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه و سلم و يقرب زمانه و أنه يبعث بالحجاز أن يكون ولداً لهم ، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول و هم : محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر ، و الآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن حججبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس ، و الآخر محمد ابن حمرانم و هو من ربيعة ، ذكر معهم محمداً رابعاً أنسيته . و كان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الأول ، و كان عنده علم بالكتاب الأول ، فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم و باسمه ، و كان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا ، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ولد ذكر أن يسميه محمداً ففعلوا ذلك . و روينا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله في تسميته صلى الله عليه و سلم محمداً و أحمد ، قال : ثم في هذين الاسمين من بدائع آياته و عجائب خصائصه أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه ، أما أحمد الذي أتى في الكتب و بشرت بها الأنبياء ، فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحمد غيره ، و لا يدعى به مدعو قبله ، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ، و كذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب و لا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده الله و ميلاده : أن نبيا يبعث اسمه محمد ، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو و الله أعلم حيث يجعل رسالته ، و هم : محمد بن أحيحة ابن الجلاح الأوسي ، محمد بن مسلمة الأنصاري ، و محمد بن براء البكري ، و محمد بن سفيان بن مجاشع ، و محمد ، و محمد بن حمران بن خزاعي السلمي لا سابع لهم . و يقال : إن أول من سمي به محمد بن سفيان ، و اليمن تقول : بل محمد بن اليحمد الأزدي . ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعى النبوة أو يدعيها أحد له ، حتى تحققت التسميتان له ، و لم ينازع فيهما . و الله أعلم . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه و سلم و ما يتصل بذلك من شق الصدر
روينا عن ابن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال : حدثني موسى ابن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن برة بنت أبي تجراة قالت : أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما ، قبل أن تقدم حليمة ، و كانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و بعده أبا سلمة بن عبد الأسد . " أخبرنا أبو العباس الساوي بقراءة والدي عليه : أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعاً عليه ، قال : أخبرنا أبو بكر الطوسي ، قال : أخبرنا أبو علي الخشنامي أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدثنا محمد ابن عبيد ، حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي قال : قلت يا رسول الله : ما لك لا تتوق في قريش و لا تتزوج إليهم ؟ قال : و عندك قلت : نعم ابنة حمزة . قال : تلك ابنة أخي من الرضاعة " . قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ، " أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء قال : أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة ، أخبرنا الليث ، عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم حبيبة أنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : هل لك في أختي ابنة أبي سفيان و فيه قالت : فو الله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة . قال : ابنة أبي سلمة ؟ قالت : نعم . قال : فو الله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، أرضعتني و إياها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن و لا أخواتكن .. " الحديث . و ذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه و سلم بأربع سنين ، و حكى أبو عمر نحوه ، و قال : و هذا لا يصح عندي ، لأن الحديث الثابت أن حمزة و عبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين . قلت : و أقرب من هذا ما روينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين ، و الله أعلم . و استرضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب ، و كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر . قالت : و في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً . قالت : فخرجت علىأتان لي قمراء ، معنا شارف لنا و الله ما تبض بقطرة لبن ، و ما ننام ليلتينا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، و ما في شارفنا في ما يغذيه ، و لكنا نرجو الغيث و الفرج ، فخرجت على أتاني فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً و عجفاً ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا إمرأة إلا و قد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا ، غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي و لم آخذ رضيعا ، و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قال : لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت : فذهبت إليه فأخذته ، و ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، و شرب حتى روي ، و شرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما و ما كنا ننام معه قبل ذلك ، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا رياً و شبعاً ، فبتنا بخير ليلة يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي و الله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة . قلت : و الله إني لأرجو ذلك ، ثم خرجت و ركبت أتاني و حملته عليها معي ، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى و الله إنها لهي . فيقلن : و الله إن لها لشأنا . قالت : ثم قدمنا منازلنا من بني سعد و لا أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً ، فنحلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع ، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن ، و تروح غنمي شباعاً لبناً ، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و الخير حتى مضت سنتاه و فصلته ، و كان يشب شباباً لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً . فقدمنا به على أمه و نحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته ، فكلمنا أمه ، و قلت لها : لو تركت بني عبدي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة ، فلم يزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به ، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه : ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه . قالت : فخرجت أنا و أبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعاً وجهه ، قال : فالتزمته و التزمه أبوه فقلنا : ما لك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو . قالت : فرجعنا به إلى خبائنا ، و قال لي أبوه : يا حليمة ! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به . قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه . فقالت : ما أقدمك يا ظئر ؟ و لقد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك . قلت : قد بلغ الله يا بني ، و قضيت الذي علي و تخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين . قالت : ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك . قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم . قالت : كلا و الله ما للشيطان عليه سبيل و إن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره ؟ قلت : بلى . قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه و لا أيسر منه ، و وقع حين ولدته و إنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك و انطلقي راشدة . قال السهيلي : و ذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد ، و تعرض عليه الآخر فيأباه ، كأنه قد أشعر أن معه شريكاً في لبانها ، و كان مفطوراً على العدل مجبولاً على جميل المشاركة و الفضل صلى الله عليه و سلم . و يروى أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك . قال : " نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام ، و رأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام ، و استرضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، فأخذاني فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمة فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم . فقال : دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها " . و في رواية : " فاستخرجا منه مغمز الشيطان و علق الدم " . و فيها : " و جعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن " . شرح الغريب : قوله في هذا الخبر : " و ما في شرفنا ما يغذيه " . قيل بالدال المهملة من الغذاء و قيل بالمعجمة . و قال أبو القاسم : و هو أتم من الأنصار على ذكر الغذاء دون العشاء . و عند بعض الناس : يعذبه : و معناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه و ينقطع عن الرضاع ، يقال منه : عذبته و أعذبته إذا قطعته عن الشرب و نحوه ، و العذوب ، و جمعه عذوب بالضم ، و لا يعرف فعول جمع على فعول غيره ، قاله أبو عبيد . انتهى كلام السهيلي رحمه الله . و أنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوماً بات ضيفهم : بتنا عذوباً و بات البق يلبسنا نشوي القرح كأن لاحي بالوادي و ذكر فعول على فعول غير عذوب ، و حكي ذلك عن كتاب ليس لابن خالويه . و قوله : " أدمتة بالركب " حبستهم و كأنه من الماء الدائم و هو الواقف . و يروى أذمت : أي الأتان ، أي جاءت بما تذم عليه ، أو يكون من قولهم : بئر ذمة : أي قليلة الماء . و قوله : " يسوطانه " . يقال : سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه ، إذا ضربت بعضه ببعض ، و [ المسوط ] : عود يضرب به . و قوله : " مغمز الشيطان " : هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى بن مريم و أمه لقول أمها حنة : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " [ آل عمران : 36 ] و لأنه لم يخلق من مني الرجال و إنما خلق من نفخة روح القدس . قال السهيلي : و لا يدل هذا على فضل عيسى عليه الصلاة و السلام على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، لأن محمداً عندما نزع ذلك منه مليء حكمة و إيماناً بعد أن غسله روح القدس بالثلج و البرد . و قد روي أنه عليه الصلاة و السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيماناً فأفرغ في قلبه ، و أنه غسل قلبه بماء زمزم ، فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهباً في ذلك إلى أنها واقعة واحدة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير . قال السهيلي : و ليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس و هذا التطهير مرتين : الأولى في حال الطفولية ليبقى قلبه من مغمز الشيطان ، و الثانية : عندما أراد الله أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة ، و ليصلي بملائكة السماوات ، و من شأن الصلاة الطهور ، فقدس باطناً و ظاهراً و ملئ قلبه حكمة و إيماناً وقد كان مؤمناً ، و لكن الله تعالى قال : " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " [ المدثر : 31 ] . رجع إلى الأول : و انطلق به أبو طالب ، و كانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكاناً بعيداً ، فغفلت عنه يوماً في الظهيرة ، فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته . فقالت : في هذا الحر ؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حراً ، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت و إذا سار سارت ، حتى انتهى إلى هذا الموضع . تقول أمها : أحقاً يا بنية ؟ قالت : إي و الله . قال : تقول حليمة : أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابني . فكان ابن عباس يقول : رجع إلى أمه و هو ابن خمس سنين . و كان غيره يقول : رد إليها و هو ابن أربع سنين ، و هذا كله عن الواقدي . و قال أبو عمر : ردته ظئره حليمة إلى أمه بعد خمس سنين و يومين من مولده ، و ذلك سنة ست من عام الفيل ، و أسلمت حليمة بنت أبي ذؤيب ، و هو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناضرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن . قال أبو عمر : روى زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه و سلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه ، و روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و روى عنها عبد الله بن جعفر . قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي و أنا أسمع منه سنة ست و سبعين قال : أخبرنا أبو روح البيهقي سماعاً عليه سنة خمس و ستمائة ، قال : أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه و نحن نسمع ، أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خالد بن فارس ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة ، عن أبي الطفيل ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا غلام شاب ، فأقبلت امرأة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه ، فقعدت عليه . فقال : من هذه ؟ قال : أمه التي أرضعته . هكذا روينا في هذا الخبر ، و كذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت و روت . و من الناس من ينكر ذلك ، و حكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه و سلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السنة و أن قومها قد أسنتوا ، فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأساً من غنم و بكرات . و ذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر : خولة بنت المنذر بن زيد ابن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه و سلم . و ذكر غيره فيهن أيضاً أم أيمن بركة حاضنته عليه الصلاة و السلام . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب و حضانة أم أيمن له و كفالة عبد المطلب إياه
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه و جده عبد المطلب في كلاءة الله و حفظه ينبته الله نباتاً حسناً ، لما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة . قال أبو عمر بن عبد البر : و قيل : ابن سبع سنين . قال : و قال محمد بن حبيب في المحبر : توفيت أمه صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثمان سنين . و قال : و توفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة و أحد عشر شهراً ، سنة تسع من عام الفيل . و قيل : إنه توفي جده عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين . رجع إلى ابن إسحاق : قال : و كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم ، فماتت و هي راجعة إلى مكة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جده عبد المطلب ، و كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي و هو غلام جفر حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخره عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا بني فو الله إن له لشأناً ، ثم يجلسه معه عليه ، و يمسح ظهره بيده . و يسره ما يراه يصنع . قرأت على أحمد بن محمد المقدسي الزاهد ، أخبرك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان ، عن محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن الحسن ، قال أبو إسحاق : و أخبرنا أحمد بن محمد بن علي بن صالح ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، قالا : أخبرنا أبو علي بن شاذان ، أخبرنا ابن درستويه قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان : حدثنا ابو الحسن مهدي بن عيسى ، أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن داود بن أبي هند ، عن العباس بن عبد الرحمن عن كندير ابن سعيد ، عن أبيه قال : حججت في الجاهلية فبينا أنا أطوف بالبيت ، إذا رجل يقول : رد إلي راكبي محمداً اردده رب و اصطنع عندي يدا قال : قلت : من هذا ؟ قال : عبد المطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في إبل له ضلت و ما بعثه في شيء إلا جاء به ، قال : فما برحت حتى جاء و جاء بالإبل معه . قال : فقال له : يا بني حزنت عليك حزناً لا يفارقني بعده أبداً . قالوا : و كانت أم أيمن تحدث تقول : كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه و سلم فغفلت عنه يوماً فلم أدر إلا بعبد المطلب قائماً على رأسي يقول : يا بركة ! قلت لبيك . قال : أتدري أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري . قال : وجدته مع غلمان قريباً من السدرة . لا تغفلي عن ابني ، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة ، و أنا لا آمن عليه منهم و كان لا يأكل طعاماً إلا قال علي بابني فيوتى به إليه . و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي ، قال : حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري ، عن ابن لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة ، عن أبيه ، قال : حدثني مخرمة بن نوفل الزهري ، قال : سمعت أمي رفيقة بن أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف تحدث ـ و كانت لدة عبد المطلب ـ قالت : تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال و أشفين على الأنفس . قالت : فسمعته قائلاً يقول في المنام : يا معشر قريش ! إن هذا النبي المبعوث : منكم ، و هذا إبان خروجه . و به يأتيكم الحيا و الخصب ، فانظروا رجلاً من أوسطكم نسباً طوالاً عظاماً ، أبيض ، مقرون الحاجبين ، أهدب الأشفار ـ جعداً ، أسهل الخدين ، رقيق العرنين ، فليخرج هو و جميع ولده ، و ليخرج منكم من كل بطن رجل رجل ، فتطهروا و تطيبوا ، ثم استلموا الركن ، ثم ارقوا إلى رأس أبي قبيس ، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي و تؤمنون ، فإنكم ستسقون . فأصبحت فقصت رؤياها عليهم ، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب ، فاجتمعوا إليه ، و خرج من كل بطن منهم رجل ، ففعلوا ما أمرتهم به ، ثم علوا على أبي قيس ، و معهم النبي صلى الله عليه و سلم و هو غلام . فتقدم عبد المطلب و قال : لا هم ! هؤلاء عبيدك و إماؤك و بنو إمائك وقد نزل بنا ما ترى ، و تتابعت علينا هذه السنون ، فذهبت بالظلف و الخف و الحافر ، و أشفت على الأنفس ، فأذهب عنا الجدب و ائتنا بالحيا و الخصب ، فما برحوا حتى سالت الأودية ، و برسول الله سقوا ، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف : بشيبة الحمد أسقي الله بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر فجاد بالماء جوني له سبل دان فعاشت به الأنعام و الشجر مناً من الله بالميمون له طائره و خير من بشرت يوماً به مضر مبارك الأمر يستسقي الغمام به ما في الأنام له عدل و لا خطر |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر وفاة عبد المطلب و كفالة أبي طالب للنبي صلى الله عليه و سلم
ثم إن عبد المطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها ، قال أبو الربيع ابن سالم : أدناها فيما انتهى إلي و وقفت عليه : خمس و تسعون سنة ، ذكره الزبير ، و أعلاها فيما ذكره الزبير أيضاً عن نوفل بن عمارة ، قال : كان عبيد بن الأبرص ترب عبد المطلب ، و بلغ عبيد مائة و عشرين سنة ، و بقي عبد المطلب بعده عشرين سنة . و كانت وفاته سنة تسع من عام الفيل ، و للنبي صلى الله عليه و سلم يؤمئذ ثمان سنين ، و قيل : بل توفي عبد المطلب و هو ابن ثلاث سنين . حكاه أبو عمر . و بقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، و كان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعون ، و ذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا طالب أخوان لأب و أم ، فكان أبو طالب هو الذي يلي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد جده ، فكان إليه و معه . و ذكر الواقدي أن أبا طالب كان مقلاً من المال ، و كانت له قطعة من الإبل تكون بعرنة ، فيبدو إليها فيكون فيها ، و يؤتى بلبنها إذا كان حاضراً بمكة ، فكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعاً أو فرادى لم يشبعوا ، و إذا أكل معهم النبي صلى الله عليه و سلم شبعوا ، فكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم يقول : كما أنتم حتى يأتي ابني . فيأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم ، و إن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم ، و إن كان لبناً شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم أولهم ثم يناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد ، و إن كان أحدهم ليشرب قعباً وحده ، فيقول أبو طالب : إنك لمبارك . و كان الصبيان يصبحون شعثاً رمصاً ، و يصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم دهيناً كحيلاً . و قالت أم أيمن ـ و كانت تحضنه ـ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم شكا جوعاً قط و لا عطشاً ، و كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة ، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر سفره صلى الله عليه و سلم مع عمه أبي طالب إلى الشام و خبره مع بحيرا الراهب و ذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه الصلاة و السلام قبل النبوة
قال أبو عمر : سنة ثلاث عشرة من الفيل . و شهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى و عشرين . و قال أبو الحسن الماوردي : خرج به عليه الصلاة و السلام عمه أبو طالب إلى الشام في تجارة له و هو ابن تسع سنين . و ذكر ابن سعد بإسناد له عن داود بن الحصين : أنه كان ابن اثنتي عشرين سنة . قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام فلما تهيأ للرحيل صب به رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يزعمون فرق له أبو طالب ، و قال : و الله لأخرجن به معي و لا يفارقني و لا أفارقه أبداً أو كما قال . فخرج به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، و كان انتهى إليه علم أهل النصرانية ، و لم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب ، إليه يصير عملهم عن كتاب فيها ـ فيما يزعمون ـ يتوارثوه كابراً عن كابر . فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا ، و كانوا كثيراً ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم و لا يعرض لهم ، حتى كان ذلك العام ، فلما نزلوا به قريباً من صومعته صنع لهم الطعام كثيراً ، و ذلك فيما يزعمون عن شيء رآه و هو في صومعته ، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في الركب حين أقبلوا و غمامة تظله من بين القوم ، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة منه ، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة و تهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، و قد أمر بذلك الطعام فصنع ، ثم أرسل إليهم : إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش و أحب أن تحضروا كلكم صغيركم و كبيركم ، و عبيدكم و حركم ، فقال له رجل منهم : و الله يا بحيرا إن بك اليوم لشأناً ، ما كنت تصنع هذا بنا و قد كنا نمر بك كثيراً ، ما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول ، و لكنكم ضيف ، و قد أحببت أن أكرمكم و أصنع لكم طعاماً فتأكلوا منه كلكم ، فاجتمعوا إليه و تخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف و يجد عنده ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي . قالوا له : يا بحيرا ما تخلف عن طعامك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام ، و هو أحدث القوم سناً ، فتخلف في رحالهم . قال : لا تفعلوا : ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم . فقال رجل من قريش : و اللات و العزى إن كان للؤماً بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا . ثم قام إليه فاحتضنه و أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً ، و ينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم و تفرقوا ، قام إليه بحيرا ، فقال له : يا غلام ! أسألك بحق اللات و العزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ـ و إنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ـ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تسألني باللات و العزى سيئاً فو الله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما . فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسالك عنه فقال له : سلني عما بدا لك . فجعل يسأله عن أشياء من حاله : من نومه ، و هيئته ، و أموره . و يخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته . ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه من صفته التي عنده ، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال ماهذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال : ما هو بابنك و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً . قال فإنه ابن أخي . قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات و أمه حبلى به . قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده و احذر عليه يهود ، فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده . فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، فزعموا أن نفراً من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب ، فأرادوه فردهم عنه بحيرا في ذلك ، و ذكرهم الله تعالى ، و ما يجدون في الكتاب من ذكره و صفاته ، و أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه ، حتى عرفوا ما قال لهم و صدقوه بما قال ، فتركوه و انصرفوا عنه . قو له : فصب به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الصبابة : رقة الشوق ، و صببت أصب . و عند بعض الرواة فضبث به : أي لزمه . قال السهيلي . و روينا من طريق الترمذي : حدثنا الفضل بن سهل العباس الأعرج البغدادي ، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح ، قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر ابن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : خرج أبو طالب إلى الشام و خرج معه النبي صلى الله عليه و سلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، و كانوا قبل ذلك يورون به فلا يخرج إليهم و لا يلتفت . قال : فهم يحلون رحالهم ، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله ، ثم قال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين . فقال الأشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق شجر و لا حجر إلا خر ساجداً ، و لا يسجدان إلا لنبي ، و إني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاماً ، فلما أتاهم به و كان هو في رعية الإبل . قال : أرسلوا إليه . فأقبل و عليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم و جدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه . قال : فبينما هو قائم عليهم و هو يناشدهم أن لا يذهبوا إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه . فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا ، إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس ، و إنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا . فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا : إنما اخترنا خيرة بعثنا لطريقك هذا . قال : أفرأيتم أمر أراد الله أن يقضيه ، هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا . قال : فبايعوه و أقاموا معه . قال : أنشدكم بالله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب . فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب ، و بعث معه أبو بكر بلالاً ، و زوده الراهب من الكعك و الزيت . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قلت : ليس في إسناد هذا الحديث إلا من خرج له في الصحيح ، و عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح لقبه انفرد به البخاري . و يونس بن أبي إسحاق انفرد به مسلم . و مع ذلك ففي متنه نكارة و هي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه و سلم بلالا . و كيف و أبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين فإن النبي صلى الله عليه و سلم أسن من أبي بكر بأزيد من عامين ، و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري و غيره ، أو اثنا عشر على ما قاله آخرون ، و أيضاً فإن بلالاً لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً ، فإنه كان لنبي خلف الجمحيين ، و عندما عذب في الله على الإسلام اشتراه أبو بكر رضي الله عنه رحمة له و استنفاذاً له من أيديهم ، و خبره بذلك مشهور . و قوله : فبايعوه ، إن كان المراد بحيرا على مسالمة النبي صلى الله عليه و سلم فقريب ، و إن كان غير ذلك فلا أدري ما هو . رجع إلى خبر ابن إسحاق : و كان صلى الله عليه و سلم يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره أنه قال : " لقد رأيتني في غلمان من قريش ، ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرى و أخذ إزاراً و جعله على رقبته يحمل عليها الحجارة ، فإني لأقبل معهم كذلك و أدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ، ثم قال : شد عليك إزارك . قال : فأخذته فشددته علي ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي ، و إزاري علي من بين أصحابي " . قال السهيلي : و هذه القصة إنما وردت في الحديث الصحيح في خبر بنيان الكعبة ، كان صلى الله عليه و سلم يحمل الحجارة و إزاره مشدودة عليه ، فقال له العباس : يا ابن أخي ، لو جعلت إزارك على عاتقك ، ففعل ، فسقط مغشياً عليه . ثم قال : " إزاري إزاري " فشد عليه إزاره ، و قام يحمل الحجارة . و في حديث آخر : أنه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه ، و سأله عن شأنه ، فأخبره أنه نودي من السماء : أن اشدد عليك إزارك يا محمد . قال : و إنه لأول ما نودي . قال : و حديث ابن إسحاق إن صح محمول على أن هذا الأمر كان مرتين : في حال صغره . و عند بنيان الكعبة . و ذكر البخاري عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ما هممت بسوء من أمر الجاهلية إلا مرتين " . و قد قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق : " أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني سماعا عليه ، قال : أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل ابن بشر بن أحمد الإسفرايني ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي ، أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن إسماعيل المحاملي ببغداد ، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق . قال : و حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة ، عن الحسن بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر ، كلتاهما عصمني الله عز و جل منهما : قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في غنم لأهله يرعاها : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان . قال : نعم . فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء و صوت دفوف و مزامير ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : فلان تزوج فلانة لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش ، فلهوت بذلك الغناء و بذلك الصوت حتى غلبتني عيني فنمت ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي . فقال : ما فعلت ؟ فأخبرته . ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك ، فخرجت فسمعت مثل ذلك ، فقيل لي مثل ما قيل لي ، فسمعت كما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس ، ثم رجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئاً . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله ما هممت بغيرهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله عز و جل بنبوته " . و ذكر الواقدي عن أم أيمن قالت : كانت بوانة صنماً تحضره قريش ، و تعظمه و تنسك له و تحلق عنده ، و تعكف عليه يوماً إلى الليل في كل سنة ، فكان أبو طالب يحضره مع قومه ، و يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحضر ذلك العيد معهم ، فيأبى ذلك . قالت : حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ، و رأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب و جعلن يقلن : إن لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ، و يقلن : ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيداً و لا تكثر لهم جمعاً ؟ ! فلم يزالوا به حتى ذهب ، فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع مرعوباً فزعاً ، فقلنا : ما دهاك ؟ قال : " إني أخشى أن يكون بي لمم " . فقلنا : ما كان الله عز و جل ليبتليك بالشيطان ، و كان فيك من خصال الخير ما كان ، فما الذي رأيت ؟ قال : " كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي : وراءك يا محمد لا تمسه . قالت : فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلى الله عليه و سلم " . |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|