منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
((( عيون الأثر الجزء الأول والثاني ))) |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر رعيته صلى الله عليه و سلم الغنم
روينا عن محمد بن سعد : " أخبرنا سويد بن سعيد و أحمد بن محمد الأزرقي ، قالا : حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي ، عن جده سعيد يعني ابن عمرو ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بعث الله نبياً إلا راعي غنم . قال له أصحابه : و أنت يا رسول الله ؟ قال : و أنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط " . و روينا عن ابن سعد قال : " أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق قال : كان من بين أصحاب الإبل و أصحاب الغنم تنازع ـ فاستطال أصحاب الإبل ، قال : فبلغنا ـ و الله أعلم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بعث موسى و هو راعي الإبل ، و بعث داود و هو راعي غنم ، و بعثت و أنا راعي غنم أهلي بأجياد " . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
شهوده صلى الله عليه و سلم يوم الفجار ثم حلف الفضول
قال السهيلي : و الفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال و المقاتلة ، و ذلك أنه كان قتالاً في الشهر الحرام ، ففجروا فيه جميعاً ، فسمي الفجار ، و كانت للعرب فجارات أربعة ذكرها المسعودي ، آخرها فجار البراض ، و هو هذا ، و كان لكنانة و لقيس فيه أربعة أيام مذكورة : يوم شمظة و يوم العبلاء ، و هما عند عكاظ . و يوم الشرب و هو أعظمها يوما و فيه قيد حرب بن أمية و سفيان و أبو سفيان ابنا أمية أنفسهم كي لا يفروا فسموا العنابس . و يوم الحريرة عند نخلة . و يوم الشرب انهزمت قيس إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا . و كان انقضاء أمر الفجار على يدي عتبة بن ربيعة ، و ذلك أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاؤوا للوعد ، و كان حرب بن أمية رئيس قريش و كنانة ، و كان عتبة بن ربيعة يتيماً في حجره ، فضن به حرب و أشفق من خروجه معه ، فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا و هو على بعيره بين الصفين ينادي : يا معشر مضر ، علام تفانون ؟ فقالت له هوازن : ما تدعو إليه ؟ قال : الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم و تعفوا عن دمائنا . قالوا : و كيف ؟ قال : ندفع لكم رهناً منا ، قالوا : و من لنا بهذا ؟ قال : أنا . قالوا : و من أنت ؟ قال : أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس . فرضوا به و رضيت به كنانة ، و دفعوا إلى هوازن أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام ، فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء و أطلقوهم و انقضت حرب الفجار ، و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقاتل فيها . و روينا عن ابن سعد : أن النبي صلى الله عليه و سلم شهدها و له عشرون سنة و قال : " قال عليه الصلاة و السلام : قد حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم ، و ما أحب أني لم أكن فعلت " . و شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حلف الفضول منصرف قريش من الفجار . قال محمد بن عمر : و كان الفجار في شوال ، و هذا الحلف في ذي القعدة و كان أشرف حلف كان قط ، و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب ، فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و بنو أسد بن عبد العزى في دار ابن جدعان ، فصنع لها طعاماً فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة . و قال عليه الصلاة و السلام : " ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و أني أغدر به ـ بعينه ـ " . قال محمد بن عمر : و لا نعلم أحداً سبق بني هاشم بهذا الحلف . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر سفره عليه الصلاة و السلام إلى الشام مرة ثانية و تزويجه خديجة بعد ذلك
قال ابن إسحاق : و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم . و قال ابن عبد البر : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس و عشرين ، و تزوج خديجة بعد ذلك بشهرين و خمسة و عشرين يوماً في عقب صفر سنة ست و عشرين ، و ذلك بعد خمس و عشرين سنة و شهرين و عشرة أيام من يوم الفيل . و قال الزهري : كانت سن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تزوج خديجة إحدى و عشرين سنة . قال أبو عمر : و قال أبو بكر بن عثمان و غيره ، كان يومئذ ابن ثلاثين سنة . قالوا : و خديجة يومئذ بنت أربعين سنة . و روينا عن أبي بشر الدولابي ، قال : و حدثني ابن البرقي أبو بكر ، عن ابن هشام ، عن غير واحد ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة . و روينا عن أبي الربيع بن سالم ، قال : و ذكر الواقدي بإسناد له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بنت منية ، قال و قد رويناه أيضاً من طريق أبي علي بن السكن ، و حديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب اللفظ ، و ربما زاد أحدهما الشيء اليسير على الآخر ، و كلاهما ينمي إلى نفيسة قالت : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين سنة و ليس له بمكة اسم إلا الأمين ، لما تكامل فيه من خصال الخير ، قال أبو طالب : يا ابن أخي ! أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و ألحت علينا سنون منكرة ، و ليس لنا مادة و لا تجارة ، و هذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، و خديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرانها فيتجرون لها و يصيبون منافع ، فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك و فضلتك على غيرك ، لما يبلغها عنك من طهارتك ، و إن كنت لأكره أن تأتي الشام و أخاف عليك من يهود ، و لكن لا نجد من ذلك بداً ، و كانت خديجة بني خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال كثير و تجارة ، و تبعث بها إلى الشام ، فتكون عيرها كعامة عير قريش ، و كانت تستأجر الرجال و تدفع إليهم المال مضاربة ، و كانت قريش قوماً تجاراً ، و من لم يكن تاجراً من قريش فليس عندهم بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فلعلها ترسل إلي في ذلك " . فقال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ، فتطلب أمراً مدبراً ، فافترقا . و بلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، و قبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه و عظم أمانته و كرم أخلاقه ، فقالت : ما علمت أنه يريد هذا ، ثم أرسلت له فقالت : إنه دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك و عظم أمانتك و كرم أخلاقك ، و أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك . ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لقي أبا طالب فذكر له ذلك ، فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك . فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام ، و جعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب يقال له نسطورا ، فاطلع الراهب إلى ميسرة و كان يعرفه ، فقال : يا ميسرة ! من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم . فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي . ثم قال له : في عينيه حمرة ؟ فقال ميسرة : نعم لا تفارقه . قال الراهب : هو هو ، و هو آخر الأنبياء ، و يا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج . فوعى ذلك ميسرة . ثم حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها ، و اشترى فكان بينه و بين رجل اختلاف في سلعة ، فقال الرجل : احلف باللات والعزى . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما حلفت بهما قط " . فقال الرجل : القول قولك . ثم قال لميسرة ـ و خلا به ـ يا ميسرة ! هذا نبي ، و الذي نفسي بيده ، إنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم . فوعى ذلك ميسرة . ثم انصرف أهل العير جميعاً ، و كان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس و هو على بعيره ، قال : و كان الله عز وجل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه و سلم المحبة من ميسرة ، فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فلما رجعوا و كانوا بمر الظهران تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة ، و خديجة في علية لها ، معها نساء فيهن نفسية بنت منية ، فرأت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل و هو راكب على بعيره و ملكان يظلان عليه ، فأرته نساءها فعجبن لذلك ، و دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فخبرها بما ربحوا ، فسرت بذلك ، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت ، فقال لها ميسرة : قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام ، و أخبرها بقول الراهب نسطور ، و قول الآخر الذي خالفه في البيع . قالوا : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم بتجارتها ، فربحت ضعف ما كانت تربح ، و أضعفت له ما سمت له ، فلما استقر عندها هذا ، و كانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من الكرامة و الخير ، و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً و أعظمهن شرفاً ، و أكثرهن مالاً و كل قومها كان حريصاً على نكاحها لو يقدر عليه ، فعرضت عليه نفسها ، فقالت له فيما يزعمون : يا ابن عم ! إني قد رغبت فيك لقرابتك و سطتك في قومك و أمانتك و حسن خلقك و صدق حديثك ، فلما قالت ذلك له ، ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، حتى دخل على خويلد ابن أسد فخطبها إليه ، فتزوجها . قال أبو الربيع : هكذا ذكر ابن إسحاق . و ذكر الواقدي و غيره من حديث نفيسة ، أن خديجة أرسلتها إليه دسيساً فدعته إلى تزويجها . قلت : و قد روينا ذلك عن ابن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، حدثنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع ، عن نفيسة بنت منية ، قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة ، مع ماأراد الله بها من الكرامة و الخير ، و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً ، و أعظمهم شرفاً ، و أكثرهم مالاً ، و كل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها و بذلوا لها الأموال ، فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام ، فقلت : يا محمد ! ما يمنعك أن تزوج ؟ قال : ما بيدي ما أتزوج به . قلت : فإن كفيت ذلك ، و دعيت إلى المال و الجمال و الشرف و الكفاءة ، ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة . قالت : فكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت علي . قال : فأنا أفعل . فذهبت فأخبرتها ، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا و كذا ، فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها ، فحضر و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمومته ، فزوجه أحدهم ، فقال عمرو بن أسد : هذا الفحل لا يقدع أنفه . و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن خمس و عشرين سنة ، و هي يومئذ بنت أربعين سنة ، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة . و ذكر ابن إسحاق أن أباها خويلد بن أسد هو الذي أنكحها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك و جدته عن الزهري و فيه : و كان خويلد أبوها سكران من الخمر ، فلما كلم في ذلك أنكحها ، فألقت عليه خديجة حلة و ضمخته بخلوق ، فلما صحا من سكره قال : ما هذه الحلة و الطيب ؟ فقيل له : أنكحت محمداً خديجة ، و قد ابتنى بها . فأنكر ذلك ثم رضيه و أمضاه . و قال محمد بن عمر : الثبت عندنا المحفوظ من أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار و أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و رأيت ذلك عن غير الواقدي . و قد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي أنكحها منه . و الله أعلم . و روينا عن بشر الدولابي ، قال : " حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : فلما استوى رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغ أشده ، و ليس له كبير مال ، استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة ، و هو سوق بتهامة ، و استأجرت معه رجلاً آخر من قريش . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يحدث عنها : ما رأيت من صاحبة لأجير خيراً من خديجة ، ما كنا نرجع أنا و صاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا " . و روينا عن أبي بشر محمد بن أحمد بن حماد ، قال : و حدثني أبو أسامة الحلبي ، حدثنا حجاج بن أبي منيع ، حدثنا جدي ، عن الزهري قال : تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلين : الأول منهما عتيق بن عايذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فولدت له جارية ، و هي أم محمد بن صيفي المخزومي ، ثم خلف على خديجة بعد عتيق بن عايذ أبو هالة التميمي ، و هو من بني أسد بن عمرو ، فولدت له هند بن هند . كذا وقع في هذه الرواية : عتيق بن عايذ . و الصواب عابد ، قاله الزبير . و سمى الزبير الجارية التي ولدتها منه : هنداً . و اسم أبي هالة : هند بن زرارة بن النباش بن غذي بن خبيب بن صرد بن سلامة ابن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، فيما رويناه عن الدولابي : حدثنا أبو الأشعث أحمد ابن المقدام العجلي ، حدثنا زهير بن العلاء ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة بن دعامة ، فذكره . قال ابن إسحاق : و كانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، و كان ابن عمها ، و كان نصرانياً قد تتبع الكتب ، و علم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب ، و ما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه . فقال ورقة : لئن كان هذا حقاً يا خديجة إن محمداً لنبي هذه الأمة ، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه . أو كما قال . قال : فجعل ورقة يستبطئ الأمر ، و له في ذلك أشعار ، منها ما رواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : أتبكر أم أنت العشية رائح و في الصدر من إضمارك الحزن قادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح و أخبار صدق خبرت عن محمد يخبرها عنه إذا غاب ناصح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل إلى كل من ضمت عليه الأباطح و ظني به أن سوف يبعث صادقا كما أرسل العبدان هود و صالح في أبيات ذكرها . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى
و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمساً و ثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة . قال موسى بن عقبة : و إنما حمل قريشاً على بنائها أن السيل كان أتى من فوق الردم الذي صنعوه ، فأخربه ، فخافوا أن يدخلها الماء ، و كان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة ، فأرادوا أن يشيدوا بنيانها ، و أن يرفعوا بابها حتى لا يدخل إلا من شاؤوا ، و أعدوا لذلك نفقة و عمالاً ، ثم عمدوا إليها على شفق و حذر من أن يمنعهم الله الذي أرادوا . قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاورا و تخالفوا و أعدوا للقتال ، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ، ثم تعاقدوا هم و بنو عدي الموت ، و أدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة ، فسموا لعقة الدم ، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا و تناصفوا ، فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، و كان عامئذ أسن قريش كلها ، قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم . ففعلوا ، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد . فلما انتهى إليهم و أخبروه الخبر . قال صلى الله عليه و سلم : هلم إلي ثوباً . فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعاً ، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه و سلم ، ثم بنى عليه . و حكى السهيلي : أنها كانت تسع أذرع من عهد إسماعيل ، يعني ارتفاعها ، و لم يكن لها سقف ، فلما بنتها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسع أذرع ، فكانت ثماني عشرة ذراعاً ، و رفعوا بابها عن الأرض ، فكان لا يصعد إليها إلا في درج أو سلم ، و أول من عمل لها غلقا تبع ، ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع فكانت سبعاً و عشرين ذرعاً ، و على هذا هي إلى الآن . و كان بناؤها في الدهر خمس مرات ، الأولى : حين بناها شيث بن آدم ، و الثانية : حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى ، و الثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام ، و الرابعة : حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبي قبيس ، فوقعت في أستارها ، فاحترقت . و قيل : إن امرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من المجمرة في أستارها فاحترقت ، فشاور ابن الزيبر في هدمها من حضره ، فهابوا هدمها ، و قالوا : نرى أن تصلح ما وهى و لا تهدم . فقال : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح ، و لا يكمل إصلاحها إلا بهدمها ، فهدمها حتى انتهى إلى قواعد إبراهيم ، فأمرهم أن يزيدوا في الحفر ، فحركوا حجراً منها فرأوا تحته ناراً و هولاً أفزعهم ، فأمرهم أن يقروا القواعد و أن يبنوا من حيث انتهى الحفر . و في الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد ، فطاف الناس بتلك الأستار ، فلم تخل من طائف ، حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب و اشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها . فلما استتم بنيانها ألصق بابها بالأرض و عمل لها خلفاً ، أي باباً من ورائها ، و أدخل الحجر فيها ، و ذلك لحديث حدثته به خالته عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة ؟ . ثم قال عليه الصلاة و السلام : لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها و جعلت لها خلفاً ، و ألصقت بابها بالأرض ، و لأدخلت الحجر فيها " أو كما قال عليه الصلاة و السلام . قال ابن الزبير : فليس بنا اليوم عجز عن النفقة ، فبناها على مقتضى حديث عائشة . فلما قام عبد الملك بن مروان قال : لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء ، فهدمها و بناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلما فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع ، و هو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر و معه رجل آخر ، فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديث المتقدم ، فندم و جعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده و يقول : و ددت أني تركت أبا خبيب و ما تحمل من ذلك . فهذه المرة الخامسة . فلما قام أبو جعفر المنصور أراد ان يبنيها على ما بناها ابن الزبير ، و شاور في ذلك . فقال له مالك بن أنس ، أنشدك الله ياأمير المؤمنين و أن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك ، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره ، فتذهب هيبته من قلوب الناس ، فصرفه عن رأيه فيه . و قد قيل : إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين ، لأن السيل كان قد صدع حائطه و لم يكن ذلك بنياناً ، و إنما كان إصلاحاً لما وهى منه و جداراً يبنى بينه و بين السيل ، بناه عامر الجارد . و كانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم و يأنس بها ، لأنها أنزلت إليه من الجنة . و كان قد حج إلى موضعها من الهند . و قد قيل أيضاً : إن آدم هو أول من بناها . ذكره ابن إسحاق في غير رواية البكائي . و في الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله السموات و الأرض ، فلما بدأ الله يخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء ، فلما خلق السماء و قضاهن سبع سماوات دحى الأرض ، أي : بسطها ، و ذلك قوله سبحانه و تعالى " والأرض بعد ذلك دحاها " [ النازعات : 30 ] . و إنما دحاها من تحت مكة ، و لذلك سميت أم القرى . و في التفسير : أن الله سبحانه حين قال للسماوات و الأرض " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " [ فصلت : 11 ] لم يجبه بهذه المقالة إلا الأرض الحرم ، فلذلك حرمها . و في الحديث " أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السماوات و الأرض " الحديث . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر شيء مما حفظ عن الأحبار و الرهبان و الكهان و عبدة الأصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم سوى ما تقدم
قال ابن إسحاق : و كانت الأحبار من يهود ، و الرهبان من النصارى ، و الكهان من العرب ، قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه . أما الأحبار من يهود و الرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته و صفة زمانه ، و ما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه . و أما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين فيما تسترق من السمع ، إذ كانت لا تحجب عن ذلك ، و كان الكاهن و الكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ، و لا تلقي العرب لذلك فيه بالاً ، حتى بعثه الله و وقعت تلك الأمور التي كانوا يذكروان فعرفوها ، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و حضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع و حيل بينها و بين المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراقه ، فرموا بالنجوم ، فعرف الجن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد . يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم حين بعثه يقص عليه خبرهم إذ حجبوا : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا * وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا * وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا * وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا " [ الجن : 1 ـ 10 ]. فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة ، فآمنوا به وصدقوا ثم " ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم " [ الأحقاف : 29 ـ 30 ]. و قول الجن " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن " الآية [ الجن : 6 ] هو أن الرجل من العرب من قريش و غيرهم كان إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال : إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه . و ذكر أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها ثقيف ، و أنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج ، و كان أدهى العرب و أمكرها رأياً . فقالوا له : يا عمرو ! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال : بلى ، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر و البحر ، و يعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها ، فهو و الله طي هذه الدنيا و هلاك هذا الخلق الذي فيها ، و إن كانت نجوماً غيرها و هي ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله بهذا الخلق . و قد روى أبو عمر النمري من طريق أبو داود ، حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد ، ح و حدثنا محمد بن العلاء ، عن ابن إدريس ، كلاهما عن حصين ، عن عامر الشعبي ، قال : لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل . فأتوا عبد يا ليل بن عمرو الثقفي ، فقالوا : إن الناس قد فزعوا ، و قد أعتقوا رقيقهم و سيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم . فقال لهم : و كان رجلاً أعمى ، لا تعجلوا و انظروا ، فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس ، و إن كانت لا تعرف فهو من حدث . فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف . فقالوا : هذا من حدث . فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى الله عليه و سلم . و روينا من طريق مسلم ، " حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، و عبد بن حميد ، قال حسن : حدثنا يعقوب ، و قال عبد : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الأنصار ، أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رمي بنجم فاستنار ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، كنا نقول : ولد الليلة رجل عليم و مات رجل عظيم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنها لا يرمى بها لموت أحد و لالحياته ، و لكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال . فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ، فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ، و يرمون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، و لكنهم يقذفون فيه ويزيدون " . أخبرنا أبو محمد بن إسماعيل المسكي قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أبو عبد الله بن أبي المعالي بن محمد بن الحسين نزيل الاسكندرية سماعاً ، أخبرنا أحمد بن محمد الشافعي قراءة عليه و أنا أسمع ، أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا عبد الله ابن حعفر ، أخبرنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا يوسف بن حماد المعني ، حدثنا عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، ح و روينا من طريق البكائي عن ابن إسحاق ، و معناهما واحد ، و هذا اللفظ للبكائي عن ابن إسحاق ، قال : و حدثني صالح بن إبراهيم ، عن محمود بن لبيد ، عن سلمة بن سلامة بن وقش ، و كان من أصحاب بدر ، قال : كان لنا جار من يهود من بني عبد الأشهل ، فذكر القيامة و البعث و الحساب و الميزان و الجنة و النار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت فقالوا له : ويحك يا فلان ! أوترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ ! قال : نعم و الذي يحلف به ، و لود أن بحظه من تلك النار أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بأن ينجو من تلك النار غداً . فقالوا له : و يحك يا فلان ! و ما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد و أشار بيده إلى مكة و اليمن . فقالوا : و متى نراه ؟ فنظر إلي و أنا من أحدثهم سناً فقال : إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فو الله ماذهب الليل و النهار حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم و هو بين أظهرنا ، فآمنا به و كفر به بغياً و حسداً ، فقلنا له : و يحك يا فلان : ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى و لكن ليس به . و روينا عن محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني الحجاج بن صفوان ، عن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ، و ذلك أنها باطل ، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب من أهل تيماء ، فقلت : إني امرؤ ممن يعبد الحجارة ، فينزل الحي ليس معهم إله ، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجارفينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلهاً يعبده ، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه و يأخذ غيره إذا نزل منزلاً سواه ، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع و لا يضر ، فدلني على خير من هذا . فقال : يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه و يدعو إلى غيرها ، فإذا رأيت ذلك فاتبعه ، فإنه يأتي بأفضل الدين . فلم يكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة ، فآتي فأسأل هل حدث ؟ فيقال لا . ثم قدمت مرة فسألت ، فقالوا : حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ، و يدعو إلى غيرها ، فشددت راحلتي برحلها ، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة ، فسألت عنه فوجدته مستخفياً ، و وجدت قريشاً عليه أشداء ، فتلطفت له حتى دخلت عليه ، فسألته فقلت : أي شيء أنت ؟ قال : نبي . قلت : و من أرسلك ؟ قال : الله . قلت : و بم أرسلك ؟ قال : بعبادة الله وحده لا شريك له ، و بحقن الدماء ، و بكسر الأوثان ، و صلة الرحم ، و أمان السبيل . فقلت : نعم ما أرسلت به ، قد آمنت بك و صدقتك . أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف ؟ فقال : ألا ترى كراهة الناس ما جئت به ، فلا تستطيع أن تمكث ، كن في أهلك ، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجاً فاتبعني ، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة ، فقلت : يا نبي الله ! تعرفني ؟ قال : " نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة " ذكر باقي الحديث . و روينا عن ابن إسحاق قال : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله لنا و هداه ، ما كنا نسمع من أخبار يهود ، كنا أهل شرك أصحاب أوثان ، و كانوا أهل كتاب ، عندهم علم ليس لنا ، و كانت لا تزال بيننا و بينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن يقتلكم قتل عاد و إرم ، فكنا كثيراً نسمع ذلك منهم ، فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم أجبناه حين دعانا إلى الله عز وجل ، و عرفنا ما كانوا يتواعدوننا به ، فبادرناهم إليه فآمنا به و كفروا ، ففي ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " [ البقرة : 89 ] . و ذكر الواقدي عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة . قال : أجل ، و الله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و حرزاً للأميين ، أنت عبدي و رسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب في الأسواق ، و لا يدفع السيئة بالسيئة ، و لكن يعفو و يغفر ، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، يفتح بها أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً . قال عطاء : ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف . و روينا عن ابن إسحاق قال : و حدثني عاصم بن عمر ، عن شيخ من بني قريظة ، قال : قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية ، و أسيد بن سعية ، و أسيد بن عبيد ، نفر من هذل ، إخوة قريظة ، كانوا معهم في جاهليتهم ، ثم كانوا ساداتهم في الإسلام ؟ قال : قلت : لا . قال : فإن رجلاً من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان ، قدم علينا قبل الإسلام بسنين ، فحل بين أظهرنا ، لا و الله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا فكنا إذا قحط المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا . فيقول : لا و الله حتى تقدموا بين يدي نجواكم صدقة . فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعاً من تمر أو مدين من شعير ، فنخرجها ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا ، فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب و نسقى ، قد فعل ذلك غير مرة و لا مرتين و لاثلاث ، ثم حضرته الفاة عندنا ، فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أمر الخمر و الخمير إلى أرض البؤس و الجوع ، فقلنا : أنت أعلم . قال : فإنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه ، و هذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، و قد أظلكم زمانه ، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود ، فإنه يبعث بسفك الدماء ، وسبي الذراري و النساء ممن خالفه ، فلا يمنعنكم ذلك منه ، فلما بعث الله و رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم و حاصر بني قريظة ، قال هؤلاء الفتية ـ و كانوا شباناً أحداثاً ـ : يا بني قريظة ، و الله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان . فقالوا : ليس به . قالوا : بلى و الله إنه لهو بصفته ، فنزلوا و أسلموا ، فأحرزوا دماءهم و أموالهم و أهليهم . و ذكر الواقدي عن النعمان السبئي، قال : و كان من أخبار يهود باليمن ، فلما سمع بذكر النبي صلى الله عليه و سلم قدم عليه ، فسأله عن أشياء . ثم قال : إن أبي كان يختم على سفر يقول : لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج بيثرب ، فإذا سمعت به فافتحه . قال نعمان : فلما سمعت بك فتحت ذلك السفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة ، و إذا فيه ما تحل و ما تحرم ، و إذا فيه أنك خير الأنبياء ، و أمتك خير الأمم ، و اسمك أحمد صلى الله عليك و سلم ، و أمتك الحمادون ، قربانهم دمائهم ، وأناجيلهم صدورهم ، لا يحضرون قتالاً إلا جبريل معهم ، يتحنن الله عليهم كتحنن الطير على أفراخه ، ثم قال لي : إذا سمعت به فاخرج إليه و آمن به وصدق به ، فكان النبي صلى الله عليه و سلم يحب أن يسمع أصحابه حديثه ، فأتاه يوماً فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : يا نعمان ! حدثنا . فابتدأ النعمان الحديث من أوله ، فرئي رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم ثم قال : أشهد أني رسول الله . و يقال : إن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسي ، و قطعه عضواً عضواً و هو يقول : أشهد أن محمداً رسول الله و أنك كذاب مفتر على الله عز وجل ، ثم حرقه بالنار . أخبرنا الشخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ، و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب قراءة على الأول و أنا أسمع ، و بقراءتي على الثاني ، قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزي قراءة عليه ، قال الأول : و أنا الخامسة ، و قال الثاني : و أنا أسمع . قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني ، قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبي عون ، عن المسور بن مخرمة ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس ابن عبد المطلب ، قال : قال لي أبي عبد المطلب بن هاشم : خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف ، فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور ، فقال : يا عبد المطلب بن هاشم ! ائذن لي أنظر في بعض جسدك . قال : قلت انظر ما لم يكن عورة . قال : فنظر في منخري ، قال : أجد في إحدى منخريك ملكاً و في الأخرى نبوة ، فهل لك من شاعة ؟ قال : قلت : و ما الشاعة ؟ قال : الزوجة . قال : قلت : أما اليوم فلا . قال : فإذا قدمت مكة فتزوج . قال : فقدم عبد المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة ، فولدت له حمزة وصفية ، و تزوج عبد الله آمنة بنت وهب ، فولدت له رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكانت قريش تقول : فلج عبد الله على أبيه . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
خبرإسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه
روينا عن ابن إسحاق ، قال حدثني عاصم ، عن محمود ، عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي من فيه ، قال : كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي ، و كان أبي دهقان قريته ، و كنت أحب خلق الله إليه ، و لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، و اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها تخبو ساعة ، و كانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوماً فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها و أمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : و لا تحتيس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، و شغلتني عن كل أمر من أمري . فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصوائهم فيها يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس ، لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصوائهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، و رغبت في أمرهم و قلت هذا و الله خير من الذي نحن عليه ، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، و تركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . فرجعت إلى أبي و قد بعث في طلبي ، و شغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ! مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . قال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير ، دينك و دين آبائك خير منه . فقلت له : كلا و الله ، إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيداً ، ثم حبسني في بيته . رحلته في طلب الحق : و بعثت إلى النصاري ، فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم . فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم و أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم قدمت معهم حتى قدمت الشام . مع أسقف الشام : فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علماً ؟ قالوا الأسقف في الكنيسة . فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، و أحببت أن أكون معك ، فأخدمك في كنيستك ، و أتعلم من علمك ، و أصلي معك . قال : ادخل فدخلت معه . فكان معه . فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئاً منها اكتنزه لنفسه و لم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق ، فأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع ، ثم مات و اجتمعت النصارى ليدفنوه . قلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة و يرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، و لم يعط المساكين منها شيئاً . فقالوا لي : و ما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه . فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهباً و ورقاً ، فلما رأوها قالوا : و الله لا ندفنه أبداً ، فصلبوه و رموه بالحجارة . و جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه و أزهد في الدنيا ، و لا أرغب في الآخرة و لا أدأب ليلاً و نهاراً منه ، فأحببته حباً لم أحبه شيئاً قبله ، فأقمت معه زماناً ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ! إني قد كنت معك و أحببتك حباً شديداً قبلك ، و قد حضرك من الأمر ما ترى فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ فقال : أي بني ! و الله ما أعلم أحداً على ما كنت عليه ، و لقد هلك الناس ، و بدلوا و توكوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل ، و هو فلان ، و هو على ما كنت عليه . مع أسقف الموصل : فلما مات و غيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ! إن فلاناً أوصاني عند موته أن ألحق بك ، و أخبرني أنك على أمره . فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل ، على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت : يا فلان ! إن فلاناً أوصى بي إليك و أمرني باللحوق بك ، و قد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين ، و هو فلان ، فالحق به . مع أسقف نصيبين : فلما مات و غيب لحقت بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبري و ما أمرني به صاحبي فقال أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته على أمر صاحبه ، فأقمت مع خير رجل ، فو الله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضر قلت له : يا فلان ؟ إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فأته . مع أسقف عمورية : فلما مات و غيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري . فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل ، على هدي أصحابه و أمرهم ، و اكتسبت حتى كانت لي بقرات و غنيمة ، ثم نزل به أمر الله ، فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : أي بني ! و الله ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس ، أمرك أن تأتيه ، و لكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفي ، يأكل الهدية ، و لا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . ثم مات و غيب . إلى وادي القرى : فمكثت بعمورية ما شاء الله أن مكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقراتي هذه و غنيمتي هذه ، فقالوا : نعم . فأعطيتهموها و حملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي ، فكنت عنده ، فرأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلدة التي وصف لي صاحبي و لم يحق في نفسي . في المدينة : فبينا أنا عنده إذا قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة ، فابتاعني منه ، فحملني إلى المدينة ، فو الله ماهو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها . و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل ، و سيدي جالس تحتي ، إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه . فقال : يا فلان ! قاتل الله نبي قيلة ، و الله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي . فلما سمعتها أخذتني العرواء ، حتى ظننت أني ساقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة فحعلت أقول لابن عمه ذلك : ماتقول ؟ فغضب سيدي و لكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك و لهذا ؟ أقبل على عملك . فقلت : لا شيء ، إنما أردت أن أستثبته عما قال . لقاءه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم : و قد كان عندي شيء جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح و معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم ، فقربته إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : " كلوا " ، و أمسك يده فلم يأكل . فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئاً ، و تحول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، ثم جئته ، فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي ، هاتان ثنتان . ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، علي شملتان لي ، و هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى الرداء عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله و أبكي . فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : تحول ، فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس . فـأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه . مكاتبته : ثم شغل سلمان الرق حتى فاته رسول الله صلى الله عليه و سلم بدر و أحد . قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كاتب سلمان ! " فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير ، و أربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أعينوا أخاكم " ، فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية ، و الرجل بعشرين ودية ، و الرجل بخمس عشرة ، و الرجل بعشر ، يعين الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية . فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي ، ففقرت ، و أعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته ، فخرج معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي و يضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده حتى فرغت ، فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، فأديت النخل و بقي علي المال ، فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن ، فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له ، فقال : " خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان " . قلت : و أين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك . فأخذتها فوزنت لهم منها ، و الذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم ، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق حراً ثم لم يفتني معه مشهد . و ذكر أبو عمر في خبر سلمان ، من طرق زيد بن الحباب ، قال : " حدثني ابن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و فيه : فاشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوم من اليهود بكذا و كذا درهماً ، و على أن يغرس لهم كذا و كذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتى تدرك ، فغرس رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة التي غرسها عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من غرسها ؟ قالوا : عمر . فقلعها و غرسها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمت من عامها " . و ذكر البخاري رحمه الله حديث سلمان كما ذكره ابن إسحاق ، غير أنه ذكر أن سلمان غرس بيده ودية واحدة ، و غرس رسول الله صلى الله عليه و سلم سائرها ، فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان . هذا معنى حديث البخاري رحمه الله . عود للحديث عن رحلته إلى المدينة : و عن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين أخبره بخبره : أن صاحب عمورية قال له : إئت كذا و كذا من أرض الشام فإن بها رجلاً بين غيضتين ، يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزاً ، يعترضه ذوو الأسقام ، فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي ، فسله عن هذا الدين الذي تبتغي فهو يخبرك عنه . قال سلمان : فخرجت حتى جئت حيث وصف لي ، فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك ، حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزاً من إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي ، و غلبوني عليه فلم أخص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه ، فتناولته . فقال : من هذا ؟ و التفت إلي ، فقلت : يرحمك الله ! أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم ؟ قال : إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم ، قد أظلك نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه . ثم دخل . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لئن كنت صدقت لقد لقيت عيسى بن مريم " . رواه ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال حدثني من لا أتهم ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : قال سلمان ، فذكره . قيل : إن الرجل المطوي الذكر في هذا الإسناد هو الحسن بن عمارة ، فإن يكنه فهو ضعيف عندهم قاله السهيلي . و قال : و إن صح هذا الحديث فلا نكارة في متنه ، فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع ، و أمه و امرأة أخرى عند الجزع الذي فيه الصليب تبكيان ، فكلمهما و أخبرهما انه لم يقتل ، و أن الله رفعه و أرسله إلى الحواريين و وجههم إلى البلاد . و إذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مرارا ، و لكن لا يعلم به أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر و يقتل الخنزير كما جاء في الصحيح ، و الله أعلم . و يروى أنه إذا نزل تزوج امرأة من جذام و يدفن إذا مات في روضة النبي صلى الله عليه و سلم . و قوله : " فقر لثلمائة ودية " معناه : حفر . و قوله : " أحييها له بالفقير " قيل : الوجه بالتفقير . " و قطن النار " خازن النار و خادمها . " و العرواء " : الرعدة . و رأيت بخط جدي رحمه الله فيما علقه على نسخته بكتاب السيرة الهشامية من حواشي كتاب أبي الفضل عياض بن موسى و غيره ، قال الصدقي : العرواء : الحمي النافض ، و البرحاء : الحمى الصالب ، و الرحضاء : الحمى التي تأخذ بالعروق ، و المطواء : التي تأخذ بالتمطي ، و الثوباء : التي تأخذ بالتثاؤب . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
ذكر خبر زيد بن نفيل
و ذكر ابن إسحاق في خبر زيد بن عمرو بن نفيل قال : و كان زيد قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض ، يطلب الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ، فكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما رأته تهيأ للخروج و أراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، و كان الخطاب وكلها به فقال : إذا رأيته هم بأمر فآذنيني به . ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام و يسأل الرهبان و الأحبار حتى بلغ الموصل و الجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كلها حتى إذا انتهى إلى راهب بميفعة من الأرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فقال : إنك لتطلب ديناً ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، و لكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق به فإنه مبعوث الآن ، هذا زمانه . و قد كان زيد شام اليهودية و النصرانية فلم يرض منها شيئاً ، فخرج سريعاً حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الإنجيل
قال ابن إسحاق : و كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله من الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، مما أثبت لهم يحنس الحواري حين نسخ لهم الإنجيل ، من عهد عيسى بن مريم إليهم في رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، و لولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ما كانت لهم خطيئة ، و لكن من الآن بطروا و ظنوا أنهم يعزونني ، و أيضاً للرب ، و لكن لا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجاناً ، أي باطلاً ، فلولا قد جاء المنحمنا ، هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب ، روح القسط هذا الذي من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي و أنتم أيضاً ، لأنكم قديماً كنتم معي في هذا قلت لكم : لكي لا تشكوا . و المنحمنا بالسريانية هو محمد صلى الله عليه و سلم ، و هو بالرومية البرقليطس . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
خبر سليمان عليه السلام
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي حضوراً في الرابعة بقراءة والدي رحمه الله عليه بالقاهرة ، و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح بقراءتي عليه بمرج دمشق ، قالا : " أخبرنا أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ، أخبرنا أبو القاسم يوسف بن أحمد بن محمد المهرواني بانتقاء أبي بكر الخطيب البغدادي الحافظ عليه ، قال : أخبرنا أبو سهل محمود ابن عمر العكبري ، حدثنا أبو صالح سهل بن إسماعيل الموسوي ، حدثنا أبو العباس عبد الله ابن وهب الغزي بالرملة ، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا شيخ بن أبي خالد البصري ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان نقش خاتم سليمان بن داود عليهما السلام : لا إله إلا الله محمد رسول الله " . |
جعلاني ذهبي
غير متواجد
|
خبر تميم الداري
و روينا عن محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني العطاف بن خالد ، عن خالد بن سعيد ، قال : قال تميم الداري : كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل ، فقلت : أنا في جوار عظيم هذا الوادي ، فلما أخذت مضجعي إذا مناد ينادي لا أراه : عذ بالله ، فإن الجن لا تجير أحداً على الله . فقلت : أيم تقول ؟ فقال : قد خرج رسول الأميين رسول الله ، و صلينا خلفه بالحجون و أسلمنا و اتبعناه ، و ذهب كيد الجن ، و رميت بالشهب ، فانطلق إلى محمد فأسلم . فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب ، فسألت راهباً به و أخبرته الخبر ، فقال : صدقوك ، نجده يخرج من الحرم ، و مهاجره الحرم ، و هو خير الأنبياء فلا تسبق إليه . قال تميم : فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمت . |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|