ما قيل من الشعر في بدر
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه :
 ألم تر أمراً كان من أعجب الدهر       و للحين أسباب مبينة الأمر  
 و ما ذاك إلا أن قوما أفادهم        فحانوا تواص بالعقوق و بالكفر  
 عشية راحوا نحو بدر جميعهم        و كانوا رهوناً للركية من بدر  
 و كنا طلبنا العير لم نبغ غيرها        فساروا إلينا فالتقينا على قدر  
 فلما التقينا لم تكن مثنوية       لنا غير طعن بالمثقفة السمر  
 و ضرب ببيض يختلي الهام حدها         مشهرة الألوان بينة الأثر  
 و نحن يركنا عتبة الغي ثاوياً       و شيبة في قتلى تجرجم قي الجفر 
 و عمرو ثوى فيمن ثوى من حما بهم     فشقت جيوب النائحات على عمرو  
 جيوب نساء من لؤي بن غالب       كرام تفر عن الذوائب من فهر  
 أولئك قوم قتلوا في ضلالهم         و خلوا لواء غير محتضر النصر  
 لواء ضلال قاد إبليس أهله       فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر  
 و قال لهم إذ عاين الأمر واضحا        برئت إليكم ما بي اليوم من صبر  
 فإني أرى مالا ترون و إنني        أخاف عقاب الله و الله ذو قسر  
 فقدمهم للحين حتى تورطوا        و كان بما لم يخبر القوم ذا خبر  
 فكانوا غداة البئر ألفاً و جمعنا         ثلاث مئين كالمسدمة الزهر  
 و فينا جنود الله حين يمدنا        بهم في مقام ثم مستوضح الذكر  
 فشد بهم جبريل تحت لوائنا        لدا مأزق فيه مناياهم تجري  
فاد الرجل : فيداً و فوداً : مات ، و أفاده الله . 
و الجفر : البئر غير المطوية . 
و المسدمة : من قولهم ، فحل سدم إذا كان هائجاً 
و المأزق : موضع الحرب 
و من الناس من ينكرها لحمزة . 
فأجابه الحارث بن هشام المخزومي 
 ألا ياقوم للصبابة و الهجر        و للحزن مني و الحزازة في الصدر  
 و للدمع من عيني جود كأنه         فريد هوى من سلك ناظمه يجري  
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى    رهين مقام للركية من بدر  
 فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة    و من ذي ندام كان ذا خلق غمر  
 فإن يك قوم صادفوا منك دولة      و لابد للأيام من دول الدهر  
 فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى   تريهم هواناً منك ذا سبل وعر    
في أبيات .
و مما يعزى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الأبيات : 
 ألم تر أن الله أبلى رسوله       بلاء عزيز ذي اقتدار و ذي فضل  
 بما أنزل الكفار دار مذلة        فلاقوا هواناً من أسار و من قتل 
فأجابه الحارث بن هشام : 
 عجبت لأقوام تغنى سفيههم       بأمر سفاه ذي اعتراض و ذي بطل  
 تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا       كرام المساعي ، من غلام و من كهل  
 مصاليت بيض ، من ذؤابة غالب      مطاعين في الهيجا ، مطاعيم في المحل  
 أصيبوا كراماًفلم يبيعوا عشيرة      بقوم سواهم نازحي الدار و الأهل  
 كما أصبحت فيكم بطانة        لكم بدلاً منا فيا لك من فعل  
 عقوقاً و إثماً بيناً و قطيعة        يرى جوركم فيها ذوو الرأي و العقل  
 فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم       و خير المنايا ما يكون من القتل  
 فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم        لكم كائن خبلاً مقيماً على خبل          
في أبيات ذكرها .
و قال ضرار بن الخطاب الفهري :
 عجبت لفخر الأوس و الحين دائر        عليهم غداً و الدهر فيه بصائر  
 و فخر بني النجار إن كان معشر       أصيبوا ببدر كلهم ثم صائر  
 فإك يك قتلى غودرت من رجالنا        فإنا رجالا بعدهم سنغادر  
 و تردي بنا الجرد العناجيج وسطكم        بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر  
 و وسط بني النجار سوف تكرها        لنا بالقنا و الدارعين زوافر  
 فنترك صرعى تعصب الطير حولهم         و ليس لهم إلا الأماني ناصر 
 و تبكيهم من أرض يثرب نسوة       لهن بها ليل عن النوم ساهر  
 و ذلك أنا لا تزال سيوفنا       بهن دم ممن يحاربن مائر  
 فإن تظفروا في يوم بدر فإنما       بأحمد أمسى جدكم و هو ظاهر  
 و بالنفر الأخيار هم أولياؤه       يحامون في اللأواء و الموت حاضر  
 يعد أبو بكر و حمزة فيهم         و يدعي علي وسط من أنت ذاكر  
 أولئك لا من نتجت من ديارها        بنو الأوس و النجار حين تفاخر  
 و لكن أبوهم من لؤي بن غالب       إذا عدت الأنساب كعب و عامر  
 هم الطاعنون الخيل في كل معرك         غداة الهياج الأطيبون الأكابر  
العناجيج : جياد الخيل ، واحدها عنجوج . و مائر : متردد. 
و مما قاله حسان بن ثابت الأنصاري :
 تبلت فؤادك في المنام خريدة       تشفي الضجيع ببارد بسام  
 كالمسك تخلطه بماء سحابة        أو عاتق كدم الذبيح مدام  
 أما النهار فلا أفتر ذكرها       و الليل توزعني بها أحلامي  
 أقسمت أنساها و أترك ذكرها        حتى تغيب في الضريح عظامي  
 بل من لعاذلة تلوم سفاهة       و لقد عصيت على الهوى لوامي  
 إن كنت كاذبة الذي حدثتني       فنجوت منجي الحارث بن هشام 
 ترك الأحبة أن يقاتل دونهم        و نجا برأس طمرة و لجام 
في أبيات : يعير الحارث بن هشام بالفرار ، و كان الحارث يقول :
 الله يعلم ما تركت قتالهم         حتى رموا فرسي بأشقر مزبد  
 و علمت أني إن أقاتل واحداً       أقتل و لا ينكي عدوي مشهدي  
 فصددت عنهم و الأحبة فيهم        طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد 
و كان الأصمعي يقول : هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار ، و كان خلف الأحمر يقول : أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزومي : 
 لعمرك ما وليت ظهري محمداً       و أصحابه جنباً ، و لا خيفة القتل  
 و لكنني قلبت أمري ، فلم أجد        لسيفي مساغاً إن ضربت ، و لا نبلي  
 و قفت ، فلما خفت ضيعة موقفي      رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل  
و إن تقاربا لفظاً و معنى ، فليس ببعيد من لأن يكون الثاني أجود من الأول ، لأنه أكثر انتفاء من الجبن ، من خوف القتل ، و إنما علل فراره بعدم إفادة و قوفه فقط ، و ذلك في الأول جزء علة ، و الجزء الآخر قوله : أقتل . قوله : رموا فرسي بأشقر مزيد ، يعني الدم ، و يحتمل أن يكون ذلك مقيداً بكون مشهده لا يضر عدوه ، و مع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى و أصرح لفظاً .  
و مما قاله حسان رضي الله عنه :
 لقد علمت قريش يوم بدر       غداة الأسر و القتل الشديد  
 بأنا حين تشتجر العوالي       حماة الحرب يوم أبي الوليد  
 قتلنا ابني ربيعة يوم سارا        إلينا في مضاعفة الحديد  
 و فر بها حكيم يوم جالت         بنو النجار تخطر كالأسود  
 و ذلت عند ذاك جموع فهر        و أسلمها الحويرث من بعيد 
و قالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث : 
 يا راكباً إن الأثيل مظنة        من صبح خامسة و أنت موفق  
 أبلغ بها ميتاً بأن تحية        ما إن تزال بها النجائب تخفق  
 مني إليك و عبرة مسفوحة       جادت بواكفها و أخرى تخنق  
 هل يسمعن النضر إن ناديته      أم كيف يسمع ميت لا ينطق  
 أمحمد يا خير ضنو كريمة        في قومها و الفحل فحل معرق  
 ما كان ضرك لو مننت و ربما    من الفتى و هو المغيظ المحنق  
 أو كنت قابل فدية فلننفقن        بأعز ما يغلوا به ما ينفق  
 فالنضر أقرب من أست قرابة    و أحقهم إن كان عتق يعتق  
 ظلت سيوف بني أبيه تنوشه      لله أرحام هناك تشقق  
 صبراً يقاد إلى المنية متعباً       رسف المقيد و هو عان موثق  
فيقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه " .        
و كان فراغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر في عقب رمضان أوائل شوال .