ثم قام بالأمر بعد أنوش ولده قينقان بن أنوش ، و ولد بعد مائة و تسعين سنة من عمر أنوش، و مات قينان و له تسعمائة و عشرون سنة ، فكان قيامه بالأمر بعد آنوش مائة و تسعين سنة ، ثم قام بالأمر بعد قينان و لده مهلاييل ، و ولد بعد ثمانمائة و خمس و سبعين فكان قيامه بالأمر بعد قينان مائة و عشر سنين .
ثم قام بالأمر بعد مهلاييل ولده يارد بن مهلاييل ، و ولد بعد مائة و خمس و ستين سنة من عمر مهلاييل ، و مات يارد وله تسعمائة و اثنتان و ستون سنة فكان قيامه بالأمر بعد مهلابيل مائتين و اثنتين و خمسين سنة .
ثم قام بالأمر بعد يارد ولده أخنوخ بن يارد و هو إدريس ، و ولد بعد مائة و اثنتين و ستين سنة من عمر يارد و هو نبي على قول جميع أهل الملل .
و اختلف أهل الكتاب هل هو أول الأنبياء . أو ثانيهم ، فقال من زعم أن شيئاً نبي هو ثاني الأنبياء .
و قال من زعم أن شيئاً ليس بنبي أن إدريس أول الأنبياء ، و هو أول من شرع الأحكام ، و أول من اتخذ السلاح و جاهد في سبيل الله تعالى ، و سبى و قتل بني قابيل و لبس الثياب ، و كانوا يلبسون الجلود ، و أول من كتب الخط في قول الأكثرين ، و أول من وضع الأوزان و الكيول ، ثم رفعه الله تعالى إليه حياً بعد سبعمائة و خمس و ثمانين سنة من عمره أقام فيها داعياً و أبوه حي على ما يقتضيه تاريخ هذه المواليد و الأعمار المأخوذة من التوراة المنزلة .
قال ابن قتيبة : و سمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله تعالى و سنن الإسلام .
نوح عليه السلام :
ثم كثر الناس ، فافترقوا بعد إدريس ، و زادوا إلى زمن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ و هو إدريس و هو آخر نبي بعث قبل الطوفان على قول من زعم أن شيئاً نبي .
و نزل الطوفان بعد ستمائة سنة من عمره ، و أنذر قومه فكذبوه ، و صنع السفينة فسخروا منه ، و أمره الله تعالى أن يصنعها في طول ثلاثمائة ذراع و عرض خمسين ذراعاً ، و علو ثلاثين ذراعاً ، و تكون ثلاث طبقات ليركب فيها هو و أهله ، و يأخذ من كل جنس من الحيوان زوجاً ذكراً و أنثى ليكونوا أصولاً لنسلهم ، فيحيا بهم العالم ، ثم وعده أن يستمطره بعد سبعة أيام أربعين يوماً و أربعين ليلة فلم يبق في الأرض ذو روح إلا من ركبها ، و غاض الطوفان بعد مائة و خمسين يوماً ، فاستوت على الجودي و هو جبل بأرض الجزيرة شهراً و سمي الماء طوفاناً لأنه طفا فوق كل شيء .
و اختلف فيما عاش نوح بعد الطوفان . فقال الأكثرون : ثلاثمائة و خمسين سنة ، و هو ظاهر و مانزل به القرآن . و قال آخرون ستمائة و خمسين سنة لأنه لبث تسعمائة و خمسين سنة داعياً لقومه و كان له قبل دعائه ثلاثمائة سنة .
التاريخ من آدم إلى نوح عليهما السلام :
و اختلف فيما بين هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان . فقال اثنان و سبعون حبراً من بني إسرائيل نقلوا التوراة إلى اليونانية : بينهما ألفان و مائتان و اثنتان و أربعون سنة .
ثم تبللت الألسن بعد الطوفان بستمائة و سبعين سنة ، فافترق اثنان و سبعون لساناً في اثنتين و سبعين أمة . قال و هب بن منبه : منها في ولد سام بن نوح تسعة عشر لساناً ، و في ولد حام سبعة عشر لساناً و في ولد يافث ستة و ثلاثون لساناً . و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم الخليل عليه السلام أربعمائة و إحدى عشرة سنة و من مولد إبراهيم إلى موسى بن عمران عليه السلام أربعمائة و خمس و عشرون سنة . و أخرج بني إسرائيل من مصر بعد ثمانين سنة ، و دبر أمرهم أربعين سنة ، ومات وله مائة و عشرون سنة ، فصار من هبوط آدم إلى وفاة موسى ثلاثة آلاف و ثمانمائة و ثماني و ستين سنة .
و قال آخرون من بني إسرائيل المقيمين على التوراة العبرانية التي يتداولها جمهور اليهود في وقتنا . إن من هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان ألفاً و ستمائة و ستاً و خمسين سنة ، و من انقضاء الطوفان إلى تبلبل الألسن مائة و إحدى و ثلاثين و إحدى و ثلاثين سنة ، و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم مائة و إحدى وستين سنة ، و من مولد إبراهيم إلى وفاة موسى خمسمائة و خمساً و أربعين سنة فصار الوقت من هبوط آدم إلى وفاة موسى ألفين و أربعمائة و ثلاثاً و تسعين سنة .
و قالت السامرة من اليهود عن تاريخ توراتهم إن من هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان ألفاً و ثلثمائة و سبعاً و ستين سنة ، و من الطوفان إلى تبلبل الألسن خمسمائة و ستاً و عشرين سنة ، و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم أربعمائة و إحدى عشرة سنة ، و من مولد إبراهيم إلى وفاة موسى خمسمائة و خمساً و أربعين سنة ، فصار من هبوط آدم إلى وفاة موسى ألفين و ثمانمائة وتسعاً و أربعين سنة .
أول نبي بعد نوح عليه السلام :
و أول نبي بعد نوح ، إبراهيم ، و هو أول من قص شاربه و استحد و اختتن و قلم أظفاره و استاك ، و تمضمض ، واستنشق ، و استنجى بالماء .
و اول من أضاف الضيف و أطعم المساكين و ثرد الثريد ، و كان داعياً إلى عبادة الله تعالى و توحيده . ثم ولده إسحق بن إبراهيم ، ولد له عيصو و يعقوب توأمين في بطن واحد فخرج عيصو ثم خرج بعده يعقوب ويده عالقة على عقبه فسمى يعقوب فعيصو أبو الروم و كان أصفر فلذلك سميت الروم بني الأصفر ، و يعقوب هو إسرائيل أبو الأسباط ، و أيوب بن بولص كان أبوه ممن آمن بإبراهيم يوم أحرق وكان في زمن يعقوب ، و كان صهره ، زوجه يعقوب بنته ليا وهي التي ضربها بالضغث .
أول نبي من بني إسرائيل :
و أول نبي من بني إسرائيل موسى و آخرهم عيسى . وكانت نبوة يعقوب بن إسحق بن إبراهيم و من بعده من ولده قبل موسى مقصورة على أنفسهم حتى دعا موسى إلى نبوته بني إسرائيل . و من وفاة موسى إلى ملك بختنصر تسعمائة و ثمان و سبعون سنة ، و إلى ملك الإسكندر ألف و أربعمائة و ثلاث عشرة سنة .
آخر أنبياء بني إسرائيل :
و ولد عيسى ليلة الأربعاء الخامس و العشرون من كانون الأول لسبعمائة و تسع وثلاثين سنة من ملك بختنصر ، و لثلاثمائة و أربع سنين من ملك الإسكندر و من ملك بختنصر إلى ابتداء الهجرة ألف و ثلثمائة و تسع و ستون سنة ، و من ملك الإسكندر إلى ابتداء الهجرة ألفان و ثلثمائة و سبع و أربعون سنة ، فكان بين موت موسى و ابتداء الهجرة ألفان و ثلثمائة و سبع و أربعون سنة .
و مولد عيسى بعد ألف و سبعمائة و سبع عشرة سنة من موت موسى و قيل بعد ستمائة و ثلاثين سنة من ابتداء الهجرة .
مدة الدنيا :
فإذا تقرر ما ذكرناه من مدة الدنيا أنها مقدرة في الكتب الإلهية بسبعة آلاف سنة كان الماضي منها إلى ابتداء الهجرة محمولاً على ما قدمناه من اختلاف أهل التوراة ، فيكون على القول الأول المأخوذ عن الأحبار الناقلين لها إلى اليونانية ستة آلاف و مائتين و ست عشرة سنة و الباقي من عمر الدنيا على قولهم بعد الهجرة سبعمائة و أربع و ثمانون سنة ، و هو موافق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفاً " و يكون الماضي منها على القول الثاني المأخوذ عن التوراة العبرانية أربعة آلاف و ثمانمائة و إحدى و أربعين سنة ، و الباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفاً و مائة و تسعاً و خمسين سنة .
و قيل إنهم قالوا ذلك ليكون رسول الله صلى الله تعالىعليه و سلم . في خامسها ألفاً فيدفعوه بنقصان التاريخ عن صفته في التوراة إنه مبعوث في آخر الزمان و يكون الماضي على القول الثالث في توراة السامرة خمسة آلاف و مائة و سبعاً و ثلاثين سنة ، و الباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفاً و ثمانمائة و ثلاثاً و ثلاثين سنة ليكون الرسول في سادسها ألفاً لما قيل من سنيه .
و السامرة قوم ناقلة من بلاد المشرق سموا بذلك لأن تفسيره بالعربية الحفظة و هم لا يقبلون من كتب الأنبياء إلا التوراة وحدها .
قيام الساعة :
و الأول لأجل قول الرسول بالأشبه و إن كان قيام الساعة و انقراض مدة الدنيا و قيام العالم على هذا التاريخ الذي أثبتوه و التقدير الذي حققوه مدفوعاً عندنا بقول الله تعالى : " إن الله عنده علم الساعة " و فيه تأويلان :
أحدهما : إن قيامها مختص بعلمه فامتنع أن يشاركه في علمها أحد من خلقه .
و الثاني : إن قيامها موقوف على إرادته فامتنع أن يوقف على غير إرادته و قال تعالى : " فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة " يعني فجأة و البغتة غير معلومة فامتنع أن تكون عندهم معلومة .
ثم قال : " فقد جاء أشراطها " فيه وجهان أحدهما : نبوة محمد صلى الله تعالى عليه و سلم و هذا يدل على أنه مبعوث في آخرها ألفاً و الثاني إن أشراطها الآيات المنذرة بها .
كما قال : " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " فلا تقوم الساعة إلا بعد أن ينذر الله تعالى بآياتها .
روى سفيان بن عيينة "عن فرار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم من علية و نحن نتذاكر أمر الساعة قال : ما كنتم تذاكرون قلنا قيام الساعة قال : إن الساعة لن تقوم حتى يكون قبلها عشر آيات قال : لا يدري بأيهن بدأ : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و الدخان و دابة الأرض و نزول عيسى ابن مريم و خروج يأجوج و مأجوج و ثلاث خسوف خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من قبل اليمن أو من عدن تطرد الناس إلى محشرهم " .
" و روى برد عن مكحول عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال في الثمانين فإن لم يخرج ففي ثمانين و مائتين فإن لم يخرج ففي ثلاثمائة و ثمانين فإن لم يخرج ففي أربعمائة و ثمانين " .
" و روى معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ذكر الدجال فقال يقيم فيكم أربعين سنة أول سنة كالشهر ، ثم الثانية كالجمعة ثم الثالثة كاليوم و سائر سنيه كالساعة حتى ينزل عيسى بن مريم فيوجره بالحربة فيذوب كما يذوب الرصاص " و في هذا دليل على تقدم يأجوج و مأجوج الدجال و آخرها الذي تقوم به الساعة ظهور النار و الله أعلم بمن استأثر بغيبه ، ثم من أطلعه عليه من رسله .
الأنبياء بين موسى و عيسى عليهما السلام :
و بين موسى و عيسى عليهما السلام من الأنبياء . شعيا و هو الذي بشر بني إسرائيل بنبوة محمد صلى الله تعالى عليه و سلم و وصفه بعد أن بشر بعيسى فقتله بنو إسرائيل . ثم حزقيل و هو الذي أصاب قومه الطاعون فخرجوا من ديارهم حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم .
و منهم دانيال سباه بختنصر مع العزير و نزل من بختنصر أفضل منزل لرؤيا عبرها له و قبره بناحية السوس وجده أبو موسى الأشعري فأخرجه و كفنه و صلى عليه و دفنه .
و منهم الياس بعث إلى أهل بعلبك و كانوا يعبدون صنماً يقال له بعل و كان ملكهم اسمه أجب و امرأته أزبيل . و كان يستخلفها على ملكه و هي بنت ملك سبأ و عمرت عمراً طويلاً و تزوجها سبعة من ملوك بني إسرائيل ، و هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام ، ثم رفع الله تعالى الياس .
ثم اليسع كان تلميذ الياس فدعا له الياس فنبأه الله بعده .
ثم يونس بن متى ، ثم زكريا قتله بنو إسرائيل في الشجرة . ثم عيسى و يحيى فأما يحيى فإن أجب الملك قتله بحيلة امرأته أزبيل .
و أما عيسى فإن أمه هربت به من أجب الملك إلى مصر ، و عاد به يوسف النجار مع أمه إلى قرية تدعى ناصرة ، فلذلك قيل لأصحابه نصارى لأنهم سموه عيسى الناصري .
أصحاب الكهف :
و أصحاب الكهف : هم فتية من الروم دخلوا الكهف قبل المسيح عيسى ، و ضرب الله على آذانهم فيه ، فلما بعث المسيح أخبر بخبرهم ، ثم بعثهم الله تعالى بعد المسيح في الفترة بينه و بين النبي صلى الله تعالى عليه و سلم .
و جرجيس من أهل فلسطين أدرك بعض الحواريين و بعث إلى ملك الموصل .
لقمان الحكيم :
فأما لقمان الحكيم فكان عبداً حبشياً لرجل من بني إسرائيل ، و كان في زمن داود و اسم أبيه ثاران ، و اختلف في نبوته فزعم الأكثرون أنه لم يكن نبياً . و قال سعيد بن المسيب كان نبياً و كان خياطاً .
و ذو الكفل من بني إسرائيل بعث إلى ملك كان فيهم يقال له كنعان دعاه إلى الإيمان و كفل له الجنة و كتب له كتاباً و سمي ذا الكفل لذلك .
عدد الأنبياء :
و ذكر وهب بن منبه أن الأنبياء كلهم مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي : الرسل منهم ثلاثمائة نبي و خمس عشر نبياً ، منهم خمسة عبرانيون : آدم و شيث و إدريس و نوح و إبراهيم ، و خمسة من العرب هود و صالح و إسماعيل و شعيب و محمد صلوات الله عليهم .
حنظلة بن صفوان :
و روى أبو صالح عن ابن عباس قال : يعث الله إلى أهل الرس نبياً منهم يقال له [ حنظلة بن صفوان ] فكذبوه و قتلوه ، فأوحى الله تعالى إلى نبي كان مع بختنصر يقال له أرميا بن برخيا مر بختنصر يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم فيقتلهم بما صنعوا بنبيهم .
و روي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم قال : " ذاك نبي أضاعه قومه " و ذلك أنه قال لقومه ادفنوني فإذا جاءت الظباء بعد ثلاث فأخرجوني فسأنبئكم بما أمرت ، فجاءت الظباء إلى قبره بعد ثلاث فلم يخرجوه . و قالوا تتحدث العرب عنا إنا نبشنا موتانا ، و أتت بنته رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسمعته يقرأ : " قل هو الله أحد " فقالت : قد كان أبي يقرأ هذا و لا يضبط ذكر من سلف من الأنبياء لكثرتهم . و قول الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه و سلم : " منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك " . و الله تعالى أعلم .