الباب الخامس ـ في مدة العالم و عدة الرسل
مدة الدنيا :
مدة الدنيا من ابتداء خلق العالم إلى انقضائه و فنائه سبعة آلاف سنة على ما جاءت به التوراة المنزلة على موسى عليه السلام . و ذكره أنبياء بني إسرائيل ، و قد وافق عليه من قال بتييسر الكواكب ، و إنها مسير الكواكب السبعة . فسير كل كوكب منها ألف سنة .
و قد روي " عن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم أنه قال : الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفاً " .
" و قال صلى الله تعالى عليه و سلم : بعثت و الساعة كهاتين " و جمع بين أصبعيه الوسطى و السبابة يعني أن الباقي منها كزيادة الوسطى على السبابة .
" و روى سلمة بن عبد الله الجهني ، عن أبي مسجعة الجهني عن أبي رحاب الجهني ، أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه و سلم : رأيتك على منبر فيه سبع درج ، و أنت على أعلاها فقال : الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفاً " .
" و روى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري . قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بعد صلاة العصر يقول أيها الناس إن الدنيا خضرة حلوة ، و إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون . و أخذ في خطبته إلى أن قال : لأعرفن رجلا منعته مهابة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه و شهده ، ثم قال و قد أزف غروب الشمس ، إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كبقية يومكم هذا فيما مضى منه يوفى بكم سبعون أمة قد توفي تسع و ستون ، و أنتم آخرها " . فصارت هذه المدة المقدرة في عمر الدنيا سبعة آلاف متفقاً عليها فيما تضمنته الكتب الإلهية و وردت به الأنباء النبوية مع ما سلك به الموافق من تسيير الكواكب السبعة . و إن كان المعول في المغيب على الأنباء الصادقة الصادرة عن علام الغيوب الذي لم يشرك في غيبه إلا من أطلعه عليه من رسله ، فخلق العالم في ستة أيام ابتداؤها يوم الأحد ، و انقضاؤها يوم الجمعة .
ابتداء الخلق :
و اختلف أهل الكتب السالفة و أهل العلم في شرعنا فيما ابتدئ بخلقه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : و هو قول طائفة : أنه بدأ بخلق الأرض في يوم الأحد و الاثنين . لقول الله تعالى : " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " . و خلق الجبال في يوم الثلاثاء ، و خلق الماء و الشجر في يوم الأربعاء ، خلق السماء في يوم الخميس ، و خلق الشمس و القمر و النجوم و الملائكة و آدم في يوم الجمعة .
قال الشعبي : و لذلك سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق كل شيء .
و الثاني : و هو قول فريق : أنه بدأ يخلق السموات قبل الأرض في يوم الأحد و الاثنين لقول الله تعالى : " فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها " فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أسكن في كل سماء ملائكتها .
و الثاني : خلق في كل سماء ما أودعه فيها من شمس و قمر و نجوم .
و الثالث : أوحى إلى كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة . ثم خلق الأرض و الجبال في يوم الثلاثاء و الأربعاء و خلق ما سواهما من العالم في يوم الخميس و الجمعة .
و الثالث : و هو قول آخرين : أنه خلق السماء دخاناً قبل الأرض ، ثم فتقها سبع سموات بعد الأرض بقول الله تعالى : " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها " . فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي أعطيا الطاعة في السير المقدر لكما باختيار أو إجبار . قاله سعيد بن جبير .
الثاني : أخرجا ما فيكما طوعاً و كرهاً .
الثالث : كونا كما أردت من شدة و لين ، و حزن و سهل ، و ممتنع و ممكن . " قالتا أتينا طائعين " أي كما أردت أن تكون .
و في قولهما ذلك وجهان :
أحدهما : أن ظهور الطاعة منهما قام مقام قولهما .
و الثاني : إنه خلق فيهما كلاماً نطق بذلك .
قال أبو النظر السكسكي : فنطق من الأرض موضع الكعبة ، و نطق من السماء ما بحيالها فوضع الله فيها حرمه .
خلق آدم :
فأما آدم فهو آخر ما خلق الله تعالى في يوم الجمعة . خلقه من تراب الأرض ، و نفخ في أنفه من نسمة الحياة ، فهو أنفس من كل ذي حياة ، روى أبو زهر " عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم : الأحمر و الأبيض و الأسود و بين ذلك ، و الحزن و السهل و الخبيث و الطيب . و بين ذلك " .
و في تسميته بآدم قولان : أحدهما : أنه اسم عبراني نقل إلى العربية . و القول الثاني : إنه اسم عربي و فيه قولان .
أحدهما : أنه سمي بذلك لأنه خلق من أديم الأرض . و أديمها وجهها .
و الثاني : سمي بذلك لاشتقاقه من الأدمة . و هي السمرة .
خلق حواء :
فلما تكامل خلق آدم استوحش فخلق له حواء .
و اختلف فيما خلقت منه على قولين .
أحدهما : أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم . و هذا قول تفرد به ابن بحر .
و القول الثاني : و هو ما عليه الجمهور أنه خلقها من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم حتى لم يجد لها مساً . قال ابن عباس : فلذلك تواصلا ، و لذلك سميت امرأة لأنها خلقت من المرء .
===>>