منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 10  ]
قديم 05-02-2006, 01:01 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
المعجزات تخرق العادات
و إذا كانت حجج الأنبياء على أممهم ، هي المعجز الدال على صدقهم ، فالمعجز ما خرق عادة البشر من خصال لا تستطاع إلا بقدرة إلهية تدل على أن الله تعالى خصه بها ، تصديقاً على اختصاصه برسالته ، فيصير دليلاً على صدقه في ادعاء نبوته إذا وصل ذلك منه في زمان التكليف . و أما عند قيام الساعة إذا سقطت فيه أحوال التكليف ، فقد يظهر فيه من أشراطها ما يخرق العادة ، فلا يكون معجزاً لمدعي نبوة ، و إنما اعتبر في المعجز خرق العادة ، لأن المعتاد يشمل الصادق و الكاذب ، فاختص غير المعتاد بالصادق دون الكاذب .
أنواع المعجزات :
و إذا تقرر أن المعجز محدود بما ذكرناه من خرق العادة فقد ينقسم ما خرج عن العادة على عشرة أقسام :
أحدها : ما يخرج جنسه عن قدرة البشر ، كاختراع الأجسام و قلب الأعيان و إحياء الموتى ، فقليل هذا و كثير معجز لخروج قليله عن القدرة ، كخروج كثيره .
و القسم الثاني : ما يدخل جنسه في قدرة البشر ، لكن يخرج مقداره عن قدرة البشر ، كطي الأرض البعيدة في المدة القريبة ، فيكون معجزاً لخرق العادة .
و اختلف المتكلمون في المعجز منه ، فعند بعضهم أن ما خرج عن القدرة منه ، يكون هو المعجز خاصة لاختصاصه بالمعجز ، و عند آخرين منهم إن جميعه يكون معجزاً لاتصاله بما لا يتميز منه .
و القسم الثالث : ظهور العلم بما خرج عن معلوم البشر ، كالإخبار بحوادث الغيوب ، فيكون معجزاً بشرطين :
أحدهما : أن يتكرر حتى يخرج عن حد الاتفاق .
و الثاني أن يتجرد عن سبب يستدل به عليه .
و القسم الرابع : ما خرج نوعه عن مقدور البشر ، و إن دخل جنسه في مقدور البشر ، كالقرآن في خروج أسلوبه عن أقسام الكلام ، فيكون معجزاً بخروج نوعه عن القدرة ، فصار جنساً خارجاً عن القدرة ، و يكون العجز مع القدرة على آلته من الكلام أبلغ في المعجز .
و القسم الخامس : ما يدخل في أفعال البشر ، و يفضي إلى خروجه عن مقدار البشر ، كالبرء الحادث عن المرض ، و الزرع الحادث عن البذر ، فإن برئ المرض المزمن لوقته ، و استحصد الزرع المتأكل قبل أوانه كان بخرق العادة معجزاً لخروجه عن القدرة .
و القسم السادس : عدم القدرة عما كان داخلاً في القدرة ، كإنذار الناطق بعجزه عن الكلام ، و إخبار الكاتب بعجزه عن الكتابة فيكون ذلك معجزاً يختص بالعاجز ، و لا يتعداه ، لأنه على يقين من عجز لنفسه ، و ليس غيره على يقين من عجزه .
و القسم السابع : إنطاق حيوان أو حركة جماد ، فإن كان باسدعائه ، أو عن إشارته ، كان معجزاً له ، و إن ظهر بغير استدعاء ، و لا إشارة ، لم يكن معجزاً له و إن خرق العادة ، لأنه ليس اختصاصه به بأولى من اختصاصه بغيره . و كان من نوادر الوقت و حوادثه .
و القسم الثامن : إظهار الشيء في غير زمانه ، كإظهار فاكهة الصيف في الشتاء ، و فاكهة الشتاء في الصيف ، فإن كان استبقاؤهما في غير زمانهما ممكناً ، لم يكن معجزاً ، و إن لم يمكن استبقاؤهما ، كان معجزاً سواء بدأ بإظهاره أو طوالب به .
و القسم التاسع : انفجار الماء و قطع الماء المنفجر ، إذا لم يظهر بحدوثه أسباب من غيره فهو من معجزاته لخرق العادة به .
و القسم العاشر : إشباع العدد الكثير من الطعام اليسير ، و إرواؤهم من الماء القليل ، يكون معجزاً في حقهم ، غير معجز في حق غيرهم لما قدمناه من التعليل . و هذه الأقسام ، و نظائرها الداخلة في حدود الإعجاز متساوية الأحكام في ثبوت الإعجاز ، و تصديق مظهرها على ما ادعاه من النبوة ، و إن تفاوت الإعجاز فيها و تباين ، كما أن دلائل التوحيد قد تختلف في الخفاء و الظهور ، و إن كان في كل منها دليل ، فأما فعل ما يقدر البشر على ما يقاربه ، و إن عجزوا عن مثله فليس بمعجز ، لأن الجنس مقدور عليه ، و إنما الزيادة فضل حذق به ، كالصنائع التي يختلف فيها أهلها فلا يكون لأحذقهم بها معجز يجوز أن يدعي به النبوة .
لا تقبل الخوارق ممن يكذب نفسه :
فإن قيل : فقد جاء زرادشت و بولص بآيات مبهرة و لم تدل على صدقهما في دعوى النبوة .
قيل : لأنهما قد أكذبا أنفسهما ما ادعياه في الله تعالى ، مما يدل على جهلهما به ، لأن بولص يقول إن عيسى إله . و زعم زرادشت أن الله تعالى كان وحده ، و لا شيء معه ، فحين طالت وحدته فكر ، فتولد من فكرته : أهرمن و هو إبليس ، فلما مثل بين عينيه أراد قتله و امتنع منه ، فلما رأى امتناعه وادعه إلى مدته . و سالمه إلى غايته .
و من قال بهذا في الله تعالى و لم يعرف ، لم يجز أن يكون رسولاً له ، ثم دعوا إلى القبائح و الأفعال السيئة كما شرع زرادشت الوضوء بالبول ، و غشيان الأمهات ، و عبادة النيران . و كذلك بولص و ماني ، فخذلهم الله تعالى . و لو دعوا إلى محاسن الأخلاق كانت الشبهة بهم أقوى . و الاغترار بهم أكثر . و لكن الله تعالى عصم بالعقول من استرشدها ، و قاد إلى الحق من أيقظه بها .
لا يظهر الله المعجز إلا لنبي :
و لا يجوز أن يظهر الله تعالى المعجز . مما يجعله دليلاً على صدقه في غير النبوة ، و إن كان فيه مطيعاً ، لأن النبوة لا يوصل إلى صدقه فيها ، إلا بالمعجز ، لأنه مغيب ، لا يعلم إلا منه فاضطر إلى الإعجاز في صدقه . و غير النبوة من أقواله و أفعاله قد يعلم صدقه فيها بالعيان و المشاهدة و تخرج عن صورة الإعجاز و إن نفذت . و إن تشبه معجزات الأنبياء بغيرها .
و أما مدعي الربوبية إذا أظهر آيات باهرة . فقد ذهب قوم إلى أنها قد تكون معجزة بطلت بكذبه . فلم يمتنع لظهور بطلانها أن توجد منه ، و إن لم توجد منه إذا كان كاذباً في ادعاء النبوة لأنه لم يقترن بدعواه ما يبطلها كمدعي الربوبية .
و الذي عليه قول الجمهور أنه لا يجوز أن يظهر المعجز على مدعي الربوبية ، كما لا يجوز أن يظهر على مدعي النبوة ، لأن معصيته في ادعاء الربوبية أغلظ ، و إفكه فيها أعظم ، فكان بأن لا تظهر عليه أجدر ، و إذا استوضح ما أظهره مدعي الربوبية من الآيات ، ظهر فسادها ، و بان اختلالها ، فخرجت عن الإعجاز إلى سحر أو شعبذة .
ثبوت المعجزات بالأخبار المتواترة :
و لما علم الله تعالى أن أكثر عباده لا يشهدون حجج رسله . و لا يحضرون آيات أنبيائه إما لعبد الدار ، أو لتعاقب الأعصار . طبع كل فريق على الأخبار بما عاين . فيعلمه الغائب من الحاضر و يعرفه المتأخر من المعاصر . و قد علم مع اختلاف الهمم أن خبر التواتر إذا انتفت عنه الريب حق لا يعترضه شك ، و صدق لا يشتبه بإفك فصار و روده كالعيان في وقوع العلم به اضطرراً فثبت به الحجة ، و لزم به العلم .
و قد قال الطفيل الغنوي مع أعرابية في وقوع العلم بإستفاضة الخبر . ما دلته عليه الفطرة و قاده إليه عليه الطبع فقال :
تأوبني هم من الليل منصب و جاء من الأخبار ما لا يكذب
تظاهرن حتى لم يكن لي ريبة و لم يك عما أخبروا متعقب
ما يجوز لمدعي النبوة :
و أما ما يجوز لمدعي النبوة ، فينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكلمه الله تعالى بغير واسطة . الثاني : أن يخاطبه بواسطة من ملائكته . و الثالث : أن يكون عن رؤيا منام .
1 ـ كلام الله بلا واسطة :
فأما القسم الأول إذا كلمه الله تعالى بغير واسطة ، مثل كلامه لموسى عليه السلام ، حين نودي من الشجرة على ما قدمناه في الاختلاف في صفته ، فيعلم اضطراراً أنه من الله تعالى . و فيما وقع به علم الاضطرار في كلامه لأهل العلم قولان :
أحدهما : أنه يضطره إلى العلم به . كما يضطر خلقه إلى العلم بسائر المعلومات . فعلى هذا يستدل بمعرفة كلامه على معرفته و يسقط عنه تكليف معرفته . و يجوز أن يكون كلامه من غير جنس كلام البشر للاضطرار إلى معرفة ما تضمنه .
و القول الثاني : أن يقترن بكلامه من الآيات ما يدل على أنه منه . فعلى هذا لا يسقط منه تكليف معرفة ، و لا يصح أن يكلمه إلا بكلام البشر لعدم الاضطرار إلى معرفته .
2 ـ كلام الله بواسطة ملك
و أما القسم الثاني و هو أن يكون خاطبه بواسطة من ملائكته الذين هم رسله إلى أنبيائه ، فعلى الأنبياء معرفة الله تعالى قبل ملائكته في رسالته ، و طريق علمهم به الاستدلال ، ثم يصير بعد نزول الملائكة بمعجزاتهم الباهرة علم الاضطرار . و على الملائكة إذا نزلوا بالوحي على الرسول إظهار معجزاتهم له كما يلزم الرسول إظهار معجزته لأمته .
روي أن جبريل عليه السلام لما تصدي لرسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة في الوادي . قال له قل يا محمد للشجرة أقبلي ، فقال لها ذلك . فأقبلت . و قال له : قل لها : أدبري فقال لها ذلك فأدبرت فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم حسبي . يعني في العلم بصدقك فيما أتيتني به عن ربي .
فتستدل الرسل بالمعجزات على تصديق الملائكة بالوحي ، و تستدل الأمم بمعجزات الأنبياء على تصديقهم بالرسالة ، و يكون أخطب الملك لفظاً إن كان قرآناً ، أو ما قام مقام اللفظ إن كان وحياً ، و لا يجوز أن يؤدي الملك إلى الرسول ما تحمله عن ربه إلا بلسان الرسول كما لا يؤدي الرسول إلى قومه إلا بلسانهم .
و يكون الملك واسطة بين الرسول و بين ربه ، و الرسول واسطة بين الملك و بين قومه . و ما يؤديه الملك إلى الرسول ليؤديه الرسول إلى قومه ضربان : قرآن و وحي .
فأما القرآن فيلزم الملك أن يؤديه إلى الرسول بصيغة لفظه . و ليس للملك و لا للرسول أن يعدل بلفظه إلى غيره ، و يكون ما تضمنه من الخطاب المنزل متوجهاً إلى الرسول و إلى أمته .
إذا تضمن الوحي تكليفاً :
و أما الوحي إذا تضمن تكليفاً بأمر أو نهى فصربان :
أحدهما : أن يكون نصاً غير محتمل ، و صريحاً غير متأول . فهذا يعلمه الرسول من الملك بنفس الخطاب ، و تعلمه الأمة من الرسول بالبلاغ من غير نظر و لا استدلال ، و ليس للملك أو للرسول أن يعدل بالنص إلى إجمال أو احتمال له .
و الضرب الثاني : أن يكون من المجمل أو المحتمل لمعان مختلفة فهذا يعلم المراد به من دليل يقترن بالخطاب . و دليله ضربان : أحدهما عقل المستمع و الثاني : توقيف المبلغ . فأما ما عقل دليله ببديهة العقل فمحمول على مقتضى العقل ، و يكفي فيه تبليغ الخطاب ، و أما ما دليله التوقيف الذي لا مدخل فيه لبداية العقول كالعبادات فمحمول على التوقيف من الله تعالى إلى ملائكته ، و من الملائكة إلى الرسول ، و من الرسول إلى أمته . فأما معرفة الملك من ربه فهو غير مشاهد لذاته .
و اختلف أهل العلم في معرفته به على مذهبين . كالرسول إن كلمه . أحدهما : بأن يضطره إلى العلم به . و الثاني : بسماع الخطاب المقترن بالآيات . و أما معرفة الرسول من الملك ، و معرفة الأمة من الرسول فالرسول مشاهد لذات الملك ، و الأمة مشاهدة لذات الرسول . و لمشاهدة الذوات تأثير في العلم بمراد الخطاب : فيتنوع بيان توقيفه فيما أريد بالخطاب أنواعاً فيكون بعضه باللفظ الصريح ، و بعضه بالفعل الظاهر .
و بعضه بالإشارة الباطنة ، و بعضه بالإمارات التي تضطر المشاهد إلى العلم بما أريد بها . و ليس لها نعت موصوف ، و لا حد مقدر . و إنما يعلمه المشاهد بمفهوم أسبابه فيصير البيان باختلاف أنواعه توقيفاً من الملك إلى الرسول ، و من الرسول إلى الأمة ، و يجوز أن يختلف نوع بيانهما إذا عرف .
3 ـ كلام الله في الرؤيا :
فأما القسم الثالث : و هو أن يكون عن رؤيا منام . فإن لم يكن ممن تصدق رؤياه لكثرة أحلامه ، لم يجز أن يدعي به النبوة ، و إن كان ممن تصدق رؤياه فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " ، لم يجز أن يدعي النبوة من أول رؤيا ، لجواز أن يكون من حديث النفس ، و أن الرؤيا
قد تصح تارة ، و تبطل أخرى . فإن تكررت رؤياه مراراً حتى قطع بصحبتها ، و لم يخالجه الشك فيها . جاز أن يدعي النبوة فيما كان حفظاً لما تقدمها من شرع . و بعثاً على العمل بها من بعيد . و لم يجز أن يعتد بها في نسخ شرع و لا استئاف شرع . و لا تعبد . و يجوز أن يعمل على رؤيا نفسه فيما يلتزمه من استئناف شرع . و لا يجوز أن يعمل عليها في نسخ ما لزمه من شرع ، ليكون بها ملتزماً و لا يكون بها مسقطاً .
شروط خطاب الرسول لأمته :
و أما خطاب الرسول لأمته فيما بلغهم من رسالة ربه بعد ظهور معجزته و الإخبار بنبوته و لزومه للأمة . فمعتبر بخمسة شروط :
أحدها : العلم بانتفاء الكذب عنه فيما ينقله عن الله تعالى من خبر ، أو يؤديه من تكليف ، كما انتفى عنه الكذب في ادعاء الرسالة ، و يكون المعجز دليلاً على صدقه في جميع ما تضمنه الرسالة .
و الثاني : أن يعلم من حاله أنه لا يجوز أن يكتم ما أمر بأدائه : لأن كتمانه يمنع من التزام رسالته لجواز أن يكتم إسقاط ما أوجب . و إن جاز أن يكتم بيانه قبل وقت الحاجة و لا يكون كتماناً .
و الثالث : أن ينتفي عنه ما يقتضي التنفير من قبول قوله لأن الله تعالى حماه من الغلطة ، لئلا ينفر من متابعته ، و كان أولى أن لا ينفر عن قبول خطابه .
و الرابع : أن يقترن بخطابه ما يدل على المراد به لينتفي عنه التلبيس و التعمية في أحكام الرسالة ، حتى يعلم حقوق التكليف ، و إن جاز تعمية خطابه فيما لم يتضمنه التكليف ، قد اعترض رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل في أطراف بدر و قال له : ممن أنت ؟ فقال : من ماء . فورى عن نسبه بما استبهم على سائله لخروجه عما يؤديه شرعاً إلى أمته .
و الخامس : العلم بوجوب طاعته ، ليعلم بها وجوب أوامره .
و اختلف في طاعته هل وجبت عقلاً أو سمعاً بحسب اختلافهم في بعثة الرسل ، هل هو من موجبات العقل أم لا .
خطاب الرسول مفهوم أو مبهم :
و إذا تكلمت شروط الالتزام لم يخل خطابه من أن يكون مفهوماً أو مبهماً .
فالمفهوم أربعة : النص ، و فحوى الكلام ، و لحن القول : و مفهوم اللفظ . و فحوى الكلام ما دل على ما هو أقوى من نطقه ، و لحن القول ما دل على مثل نطقه ، و مفهوم اللفظ مأخوذ من معنى نطقه ، فهذه الأربعة مفهومة المعاني بألفاظها ، مستقلة بذواتها معلومة المراد بظواهرها فلا احتياج بعد البلاغ إلى بيان .
و أما المبهم فثلاثة : المجمل ، و المحتمل ، و المشتبه ، فأما المجمل فما أخذ بيانه من غيره و لا يدخل العقل في تفسيره ، فلا يعلم إلا بسمع و توقيف ، و أما المحتمل فهو ما تردد بين معان مختلفة ، فإن أمكن الجمع بين جميعهاً حمل على جميع ما تضمنه و استغني عن البيان إلا أن يرد بالاقتصار على بعضها بيان . و إن لم يمكن حملها على الجميع لتنافيها و كان المقصود أحد معانيها فإن أمكن الاستدلال عليه بمخرج الخطاب أو بمشاهدة الحال كان فيه بيان أو تعذر بيانه من هذا الوجه حمل على عرف الشرع ، فإن تعذر حمل على عرف الاستعمال ، فإن تعذر حمل على عرف اللغة فإن تعذر فبيانه موقوف على التوقيف . و أما المشتبه فما أشكل لفظه و استبهم معناه .
شاهد على المبهم :
" روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال : يا رسول الله ، إنك تأتينا بكلام لا نعرفه ، و نحن العرب حقاً فقال : رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : إن ربي علمني فتعلمت ، و أدبني فتأدبت " .
فإن تلوح في المشتبه إشارة إلى معناه ، جاز أن يكون استنباطه موقوفاً على الاجتهاد . و إن تجرد عن تجرد عن إشارة كان موقوفاً على التوقيف . و على الرسول تبليغ بيانه كما كان عليه تبليغ أصله ، و على من سمعه من الرسول أن يبلغه من لم يسمعه ، حتى ينتقل إلى عصر بعد عصر على الأبد فيعلمه القرن الثاني من الأول ، و الثالث من الثاني . و كذلك أبداً لتدوم الحجة بهم إلى قيام الساعة . و لذلك " قال النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ليبلغ الشاهد الغائب " .
الفرق بين الأنبياء و الرسل :
فأما الفرق بين الأنبياء و الرسل فقد جاء بهما القرآن جمعاً و مفصلاً بقول الله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " .
و اختلف أهل العلم في الأنبياء و الرسل على قولين :
أحدهما أن الأنبياء و الرسل واحد . فالنبي رسول و الرسول نبي .
و الرسول مأخوذ من تحمل الرسالة . و النبي مأخوذ من النبأ ، و هو الخبر إن همز ، لأنه مخبر عن الله تعالى و مأخوذه من النبوة إن لم يهمز ، و هو الموضع المرتفع و هذا أشبه لأن محمداً صلى الله تعالى عليه و سلم قد كان يخاطب بهما .
و القول الثاني : أنهما يختلفان ، لأن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات و الرسول أعلى منزلة من النبي ، و لذلك سميت الملائكة رسلاً و لم يسموا أنبياء .
و اختلف من قال بهذا في الفرق بينهما على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الرسول هو الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي . و النبي هو الذي يوحى إليه في نومه .
و القول الثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أمة و النبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة قاله قطرب .
و القول الثالث : أن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع و الأحكام . و النبي هو : الذي يحفظ شريعة غيره قاله الجاحظ .
وجوب البلاغ و زمانه :
و إذا نزل الوحي على الرسول ، و عين له زمان الإبلاغ لم يكن له تقديمه عليه ، و لا تأخيره عنه . و إن لم يعين له زمانه فعليه تبليغه في أول أوقات إمكانه . فإن خاف من تبليغ ما أمر به شدة الأذى و عظم الضرر ، لزمه البلاغ و لم يكن الأذى عذراً له في الترك و التأخير ، لأن الأنبياء يتكلفون من احتمال المشاق ما لا يتكلفه غيرهم لعظم منزلتهم و ما أمدوا به من القوة على تحمل مشاقهم .
و إن خاف منه القتل ، فقد اختلف المتكلمون في وجوب البلاغ فذهب بعضهم إلى اعتبار أمره البلاغ ، فإن أمر به مع تخوف القتل لزمه أن يبلغ و إن قتل . و إن أمر به مع الأمن لم يلزمه البلاغ إذا خاف القتل . و ذهب آخرون منهم إلى اعتبار حاله ، فإن لم يبق عليه من البلاغ سوف ما يخاف منه القتل .
فإن لم يكن الأمر بالبلاغ مرتباً لزمه أن يقدم بلاغ ما يأمن منه القتل ، ثم يبلغ ما يخاف منه القتل ، فإن قتل فإن كلام الأمر البلاغ مرتباً بابتداء ما يخاف منه القتل ، فإن الله تعالى يعصمه من القتل حتى يبلغ جميع ما أمر به لما تكفل به من إكمال دينه و الله تعالى أعلم .