منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 9  ]
قديم 05-02-2006, 12:59 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
الباب الربع ـ في إثبات النبوات
حاجة الناس إلى الرسل :
و الأنبياء هم رسل الله تعالى إلى عباده بأوامر و نواهيه زيادة على ما اقتضته العقول من واجباتها و إلزاماً لما جوزته من مباحاتها لما أراده الله من كرامة العاقل و تشريف أفعاله و استقامة أحواله و انتظام مصالحه ، حين هيأه للحكمة و طبعه على المعرفة ، ليجعله حكيماً و بالعواقب عليماً ، لأن الناس بنظرهم لا يدركون مصالحهم بأنفسهم ، و لا يشعرون لعواقب أمورهم بغرائزهم ، و لا ينزجرون مع اختلاف أهوائهم دون أن يرد عليهم آداب المرسلين و أخبار القرون الماضين ، فتكون آداب فيهم مستعملة ، و حدوده فيهم متبعة ، و أوامره فيهم ممتثلة ، وو عده و وعيده فيهم زاجراً ، و قصص من غبر من الأمم واعظاً . فإن الأخبار العجيبة إذا طرقت الأسماع ، و المعاني الغريبة إذا أيقظت الأذهان ، استمدتها العقول فزاد علمها ، و صح فهمها ، و أكثر الناس سماعاً و أكثرهم خواطر ، و أكثرهم خواطر أكثرهم تفكراً و أكثرهم تفكراً أكثرهم علماً و أكثرهم علماً أكثرهم عملاً . فلم يو جد عن بعثه الرسل معدل و لا منهم في انتظام الحق بدل .
منكر و النبوات :
و أنكر فريق من الأمم نبوات الرسل و هم فيها ثلاثة أصناف :
أحدها : ملحدة دهرية يقولون يقدم العالم و تدبير الطبائع ، فهم بإنكار المرسل أجدر أن يقولوا بإنكار الرسل .
و الصنف الثاني : براهمة موحدة يقولون بحدوث العالم و يجحدون بعثة الرسل ويبطلون النبوات ، و هم المنسوبون إلى بهر من صاحب مقالتهم . و شذ فريق منهم فادعى أنه آدم أبو البشر ، و منهم من قال هو إبراهيم ، و من قال من هذه الفرقة الشذة منهم أنه أحد هذين أقر بنبوتهما و أنكر نبوة من سواهما . و جمهورهم على خلاف هذه المقالة في اعتزائهم لصاحب مقالتهم و إنكار جميع النبوات عموماً . .
و الصنف الثالث : فلاسفة لا يتظاهرون بإبطال النبوات في الظاهر ، و هم مبطلوها في تحقيق قولهم ، لأنهم يقولون : إن العلوم الربانية بعد كمال العلوم الرياضية من الفلسفة و الهندسة ليضعها من كملت رياضته إذا كان عليها مطبوعاً .
الرد على منكري النبوات :
و اختلف من أبطل النبوات في علة إبطالها فذهب بعضهم إلى أن العلة في إبطالها أن الله تعالى قد أغنى عنها بما دلت عليه العقول من لوازم ما تأتي به الرسل و هذا فاسد من وجهين : أحدهما : أنه لا يمنع ما دلت عليه العقول جواز أن تأتي به الرسل وجوباً و لو كان العقل موجباً لما امتنع أن تأتي به الرسل وجوباً ، و لو كان العقل موجباً لما امتنع أن تأتي به الرسل تأكيداً كما تترادف دلائل العقول على التوحيد ، و لا يمنع وجود بعضها من و جود غيرها .
و الثاني : إنه لا تستغني قضايا العقول عن بعثة الرسل من وجهين : أحدهما : إن قضايا العقول قد تختلف فيما تكافأت فيه أدلتها فانحسم ببعثه الرسل اختلافها .
و الثاني : أنه لا مدخل للعقول فيما تأتي به الرسل من الوعد و الوعيد و الجنة و النار و ما يشرعونه من أوصاف التعبد الباعث على الـتأله فلم يغن عن بعثة الرسل .
و ذهب آخرون منهم إلى أن العلة في إبطال النبوات أن بعثة الرسل إلى من يعلم من حالتهم أنهم لا يقبلون منهم ما بلغوه إليهم عبث يمنع من حكمة الله تعالى . و هذا فاسد من وجهين .
أحدهما : أنه ليس بعبث أن يكون فيهم من لا يقبله كما لم يكن فيما نصبه الله تعالى من دلائل العقول على توحيده عبثاً و إن كان منهم من لا يستدل به على توحيده كذلك بعثة الرسل .
و الثاني : أن وجود من يقبله فهم على هذا التعليل يوجب بعثة الرسل و هم يمنعون إرسالهم إلى من يقبل و من لا يقبل فبطل هذا التعليل .
و قال آخرون منهم : بل العلة فيه أن ما جاء به الرسل مختلف ينقض بعضه بعضاً و نسخ المتأخر ما شرعه المتقدم ، و قضايا العقول لا تتناقض فلم يرتفع بما يختلف و يتناقض ، و هذا فاسد من و جهين : أحدهما : أن ماجاء به الرسل ضربان . أحدهما : ما لا يجوز أن يكون إلا على و جه واحد و هو التوحيد و صفات الرب المربوب فلم يختلفوا فيه و أقواله متناصرة عليه .
و الضرب الثاني : ما يجوز أن يكون من العبادات على وجه و يجوز أن يكون على خلافه و يجوز أن يكون في وقت و لا يجوز أن يكون في غيره ، و هذا النوع هو الذي اختلفت فيه الرسل لاختلاف أوقاتهم : إما بحسب الأصلح و إما بحسب الإرادة ، و هذا في قضايا العقول جائز .
و الوجه الثاني : أن قضايا العقول قد تختلف فيها العقلاء و لا يمنع ذلك أن يكون العقل دليلاً ، كذلك ما اختلف فيه الرسل لا يمنع أن يكون حجة .
و قال آخرون منهم : بل العلة في إبطال النبوات أنه لا سبيل إلى العلم بصحتها لغيبها ، و أن ظهور ما ليس في الطباع من معجزاتهم ممتنع الطباع الدافعة لها ، فهذا فاسد من وجهين . أحدهما : أن المعجزات من فعل الله تعالى فيهم فخرجت عن حكم طباعهم . و الثاني : لما تميزوا بخروجهم عن الطباع من الرسالة تميزوا بما يخرج عن عرف الطباع من الإعجاز .
و قال آخرون منهم : بل العلة في إبطال النبوات إن ما يظهرونه من المعجز الخارج عن العادة قد يوجد مثله في أهل الشعبذة و المخرقة و أهل النارنجيات و ليس ذلك من دلائل صدقهم فكذلك أحكام المعجزات .
و هذا فاسد من وجهين . أحدهما : ان الشعبذة تظهر لذوي العقول و تندلس على الغر الجهول فخالفت المعجزة التي تذهل لها العقول . و الثاني : أن الشعبذة تستفاد بالتعليم فيتعلمها من ليس يحسنها فيصير مكافئاً لمن أحسنها و يعارضها بمثلها ، و المعجزة مبتكرة لا يتعاطاها غير صاحبها و لا يعارضه أحد بمثلها ، كما انقلبت عصا موسى حية تسعى تلتقف ما أفكه السحرة فخروا له سجداً .
إثبات النبوات :
و لئن كان في إبطاله هذه الشبهة دليل على إثباتها فيستدل على إثبات النبوات من خمسة أوجه و إن اشتملت تلك الأجوبة على بعضها :
أحدها : أن الله تعالى منعم على عباده بما يرشدهم إليه من المصالح ، و لما كان في بعثة الرسل ما لا تدركه العقول كان إرسالهم من عموم المصالح التي تكفل بها .
و الثاني : أن فيما تأتي به الرسل من الجزاء بالجنة ثواباً على الرغبة في فعل الخير و بالنار عقاباً يبعث على الرهبة في الكف عن الشر ، صارا سبباً لئتلاف الخلق و تعاطي الحق .
و الثالث : إن في غيوب المصالح ما لا يعلم إلا من جهة الرسل فاستفيد بهم ما لم يستفد بالعقل .
و الرابع : أن التأله لا يخلص إلا بالدين و الدين لا يصلح إلا بالرسل المبلغين عن الله تعالى ما كلفت .
و الخامس : أن العقول ربما استكبرت من موافقة الأكفاء و متابعة النظراء ، فلم يجمعهم عليه إلا طاعة المعبود فيما أداه رسله ، فصارت المصالح بهم أعم ، و الإتقان بهم أتم ، و الشمل بهم أجمع ، و التنازع بهم أمنع .
و يجوز إثبات التوحيد و النبوات بدقيق الاستدلال ، كما يجوز بجليه ، فإن ما دق في العقول هو أبلغ في الحكمة . و قد تلوح لابن الرومي هذا المعنى فنظمه في شعره فقال :
غموض الحق حين يذب عنه يقلل ناصر الخصم المحق
يجل عن الدقيق عقول قوم فيقضي للمجل على المدق
كيفية بعثة الرسل :
فإذا ثبت جواز النبوات و بعثة الرسل بالعبادات فهم رسل الله تعالى إلى خلقه إما بخطاب مسموع أو بسفارة ملك منزل . و منع قوم من مثبتي النبوات أن تكون نبوتهم عن خطاب أو نزول ملك لانتفاء المخاطبة الجسمانية عنه تعالى ، لأنه ليس بجسم ، و الملائكة من العالم العلوي بسيط لا تهبط ، كما أن العالم السفلي كثيف لا يعلو ، و اختلف من قال بهذا فيما جعلهم به أنبياء .
فقال بعضهم : صاروا أنبياء بالإلهام لا بالوحي ، و هذا فاسد من وجهين .
أحدهما : أن ما بطل به إلهام المعارف في التوحيد ، كان إبطال المعارف به في النبوة أحق .
و الثاني : أن الإلهام خفي غامض يدعيه المحق و المبطل ، فإن ميزوا بينهما طلبت أمارة و إن عدلوا عن الإلهام فذلك دليل يبطل الإلهام .
و قال آخرون منهم : إنما صاروا أنبياء لأن لله تعالى في العالم خواص و أسراراً تخالف مجرى الطبائع ، فمن أظفره الله تعالى بها من خلقه استحق بها النبوة و هذا فاسد من وجهين :
أحدهما : خفاؤها فيه غير دليل على صدقه .
و الثاني : أنه يكون نبياً عن نفسه لا عن ربه فصار كغيره .
و قال آخرون : بل صاروا أنبياء لأن الله تعالى خصهم من كمال العقول بما يتواصلون به إلى حقائق الأمور ، فلا يشتبه عليهم منها ما يشتبه على غيرهم ، فصاروا أنبياء عن عقولهم لا عن ربهم . و هذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن هذا يقتضي فضل العلم في حقه و لا يقتضيه في حق غيره .
و الثاني : أنه إن أخبر عن نفسه لم يكن رسولاً و إن أخبر عن ربه كان كاذباً .
و قال آخرون : إنما صاروا أنبياء لأن النور فيهم صفا و نما بالنور الأعظم الإلهي ، الذي تخلص به الأفهام ، و تصح به الأوهام ، حتى ينتقلوا إلى الطباع الروحانية ، و يزول عنهم كدر الطباع البشرية فيخرجوا عن شبح الكائنات بصفاء نورهم و خلاصهم ، و هذا قول الثنوية و هذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنهم دفعوا أسهل الأمرين من بعثة الرسل بأغلظهما من إعطاء نوره ، و أولى أن يدفعوا عن الأغلظ بما دفعوا به عن الأسهل و الثاني : أنهم أثبتوا به ممازجة الباري سبحانه فيما اختص بذاته ، و مخالفة الذات تمنع من ممازجته .
الرد على المعترض :
و الجواب عما قالوه من امتناع المخاطبة الجسمانية عمن ليس بجسم من وجهين :
أحدهما : أنه لا يمنع أن يظهر منه كخطاب الأجسام ، و إن لم يكن جسماً ، كما يظهر منه كأفعال الأجسام ، و إن لم يكن جسماً .
و الثاني : أن الله تعالى يجوز أن يودعه خطابه في الأسماع حتى تعيه الأذان ، و تفهمه القلوب بقدرته التي أخفاها عن خلقه .
و الجواب عما ذكروه من : أن جرم الملائكة علوي لا ينهبط من وجهين :
أحدهما : أنه ليس يمنع ان ينتقل جرم سماوي لطيف إلى جرم أرضى كثيف إما بزيادة أو انقلاب كما يقولون في العقل و النفس إنهما جرمان علويان هبطا إلى الجسم فحلاً فيه .
و الثاني : أنهم يقولون بانقلاب الأجرام الطبيعات ، فيقولون : إن الهواء المركب من حرارة و رطوبة إذا ارتفعت حرارته ببرودة صار ماء بارداً .
و إن الماء المركب من برودة و رطوبة ، إذا ارتفعت برودته بحرارة صار هواء ، و أن الهواء المركب من حرارة و رطوبة إذا ارتفعت رطوبته بيبوسة صار ناراً ، فإذا جاز ذلك عندهم في انقلاب الطبائع ، كان في فعل الله تعالى أجوز و هو عليها أقدر . و لا يمكن أن يدفع أقاويلهم الخارجة عن قوانين الشرع إلا بمثلها . و إن خرج عن حجاج أمثالنا لينقض قولهم بقولهم فلا يتدلس به باطل ، و لا يضل به جهول ، فما يضل عن الدين إلا قادح في أصوله و مزر على أهله .
شروط صحة النبوة :
فإذا ثبت أن النبوة لا تصلح إلا ممن أرسله الله تعالى بوحيه إليه ، فصحتها إليه معتبرة بثلاثة شروط ، تدل على صدقه و وجوب طاعته .
أحدها : أن يكون مدعي النبوة على صفات يجوز أن يكون مؤهلاً لها لصدق لهجته و ظهور فضله و كمال حاله ، فإن اعتوره نقص ، أو ظهر منه كذب ، لم يجز أن يؤهل للنبوة من عدم آلتها و فقد أمانتها .
بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى بعض أحياء العرب ، يدعوهم إلى الإسلام ، فقالوا يا خالد : صف لنا محمداً ، قال : بإيجاز أم بأطناب . قالوا : بإيجاز قال : هو رسول الله و الرسول على قدر المرسل .
و الشرط الثاني : إظهار معجز يدل على صدقه ، و يعجز البشر عن مثله ، لتكون مضاهية للأفعال الإلهية ، ليعلم أنها منه ، فيصبح بها دعوى رسالته لأنه لا يظهرها من كاذب عليه ، و يكون المعجز دليلاً على صدقه ، و صدقه دليلاً على صحة نبوته .
و الشرط الثالث : أن يقرن بالمعجز دعوى النبوة ، فإن لم يقترن بالمعجزة دعوى ، لم يصر بظهور المعجزة نبياً ، لأن المعجز يدل على صدق الدعوى ، فكان صفة لها فلم يجز أن تثبت الصفة قبل وجود الموصوف .
فإن تقدم ظهور المعجز على دعوى النبوة كان تأسيساً للنبوة ، ككلام عيسى عليه السلام في المهد ، تأسيساً لنبوته فاحتاج مع دعوى النبوة إلى إحداث معجز يقترن بها ، ليدل على صدقه فيها .
و إن تقدمت دعوى النبوة على المعجز اكتفى بحدوث المعجز بعدها عن اقترانه بها ، لأن استصحابه للدعوى مقترن بالمعجز ، فإن ظهر المعجز المقترن بالدعوى لبعض الناس دون جميعهم نظر ، فإن كانوا عدداً يتواتر بهم الخبر ، و يستفيض فيهم الأثر ، كان الغائب عنه محجوباً بالمشاهد له في لزوم الإجابة و الانقياد للطاعة ، كما يكون العصر الثاني محجوبا بالعصر الأول ، و إن كان المشاهد للمعجز عدداً لا يستفيض بهم الخبر ، و لا يتواتر بهم الأثر لإمكان تواطئهم على الكذب ، و يتوجه إلى مثلهم الخطأ و الزلل ، كان المعجز حجة عليهم ، و لم يكن حجة على غيرهم ، حتى يشاهدوا من المعجز ما يكونوا محجوبين به ، و سواء كان من جنس الأول أو من غير جنسه ، فإن قصر من شاهد الأول عن عدد التواتر ، و قصر من شاهد الثاني عن عدد التواتر ، لم يثبت حكم التواتر فيهما ، و لا في واحد منهما لجواز الكذب على كل واحد من العددين .