فصل في هديه في الصلاة على الطفل
فصل
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الصلاة على الطفل ، فصح عنه أنه قال : " الطفل يصلى عليه " .
وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً ، " صلوا على أطفالكم ، فإنهم من أفراطكم " . قال أحمد بن أبي عبدة : سألت أحمد : متى يجب أن يصلى على السقط ؟ قال : إذا أتى عليه أربعة أشهر ، لأنه ينفخ فيه الروح .
قلت : فحديث المغيرة بن شعبة " الطفل يصلى عليه" ؟ قال : صحيح مرفوع ، قلت : ليس في هذا بيان الأربعة الأشهر ولا غيرها ؟ قال: قد قاله سعيد بن المسيب .
فإن قيل : فهل صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم يوم مات ؟ قيل : قد اختلف في ذلك ، فروى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً ، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة .... فذكره . وقال أحمد في رواية حنبل : هذا حديث منكر جداً ، ووهى ابن إسحاق .
وقال الخلال : وقرئ على عبد الله : حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا جابر الجعفي ، عن عامر، عن البراء بن عازب ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهراً .
وذكر أبو داود عن البهي ، قال : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد . وهو مرسل ، والبهي اسمه عبد الله بن يسار كوفي .
وذكر عن عطاء بن أبي رباح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة . وهذا مرسل وهم فيه عطاء ، فإنه قد كان تجاوز السنة .
فاختلف الناس في هذه الآثار ، فمنهم من أثبت الصلاة عليه ، ومنع صحة حديث عائشة ، كما قال الإمام أحمد وغيره : قالوا : وهذه المراسيل ، مع حديث البراء ، يشد بعضها بعضاً ، ومنهم من ضعف حديث البراء بجابر الجعفي ، وضعف هذه المراسيل وقال : حديث ابن إسحاق أصح منها .
ثم اختلف هؤلاء في السبب الذي لأجله لم يصل عليه ، فقالت طائفة : استغنى ببنوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قربة الصلاة التي هي شفاعة له ، كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه .
وقالت طائفة أخرى : إنه مات يوم كسفت الشمس ، فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه . وقالت طائفة : لا تعارض بين هذه الآثار ، فإنه أمر بالصلاة عليه ، فقيل : صلي عليه ، ولم يباشرها بنفسه لاشتغاله بصلاة الكسوف ، وقيل : لم يصل عليه ، وقالت فرقة : رواية المثبت أولى ، لأن معه زيادة علم ، وإذا تعارض النفي والإثبات ، قدم الإثبات .