ذكر ردة أهل دبا وأزد عمان :
وذلك : أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين . فبعث إليهم مصدقاً يقال له . حذيفة بن محصن البارقي ، ثم الأزدي ، من أهل دبا . وأمره : أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم ، ويردها على فقرائهم، ففعل ذلك حذيفة .
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة ، وارتدوا ، فدعاهم حذيفة إلى التوبة ، فأبوا ، وجعلوا يرتجلون :
لقد أتانا خبر ردي         أمست قريش كلها نبي
         ظلم لعمر الله عبقري
فكتب حذيفة إلى أبي بكر بأمرهم ، فاغتاظ غيظاً شديداً ، وقال : من لهؤلاء ؟ ويل لهم ؟ .
ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل -وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمله على سفلي بني عامر بن صعصعة مصدقاً- فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ، ثبتوا على الإسلام . وكان مقيماً بتبالة في أرض كعب بن ربيعة ، فجاءه كتاب أبي بكر : سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا.
فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين ، وكان رأس أهل الردة : لقيط بن مالك الأزدي ، فلما بلغه مسير عكرمة ، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه . وبلغ عكرمة : أنهم جموع كثيرة ، فبعث طليعة ، وكان للعدو أيضاً طليعة ، فالتقت الطليعتان ، فتناوشوا ساعة ، ثم انكشف أصحاب لقيط . وقتل منهم نحو مائة رجل ، وبعث أصحاب عكرمة فارساً يخبره . فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته ، ثم زحفوا جميعاً ، وسار على تعبئة ، حتى أدرك القوم . فاقتتلوا ساعة ، ثم هزمهم عكرمة ، وأكثر فيهم القتل، ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك ، فأخبروه : أن عكرمة مقبل .
فقوي جانب حذيفة [ومن معه من المسلمين فناهضهم ، وجاء عكرمة ، فقاتل معهم ، فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا ، فحصرهم المسلمون شهراً ، وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة ، فأرسلوا إلى حذيفة] يسألونه الصلح . فقال : لا ، إلا بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية . قالوا : أما الحرب المجلية . فقد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا ، وما أخذتموه فهو رد لنا ، وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر ، ونحكم فيكم بما رأينا . فأقروا بذلك . فقال : اخرجوا عزلاً ، لا سلاح معكم . ففعلوا ، فدخل المسلمون حصنهم ، فقال حذيفة : إني قد حكمت فيكم : أن أقتل أشرافكم ، وأسبي ذراريكم . فقتل من أشرافهم مائة رجل ، وسبي ذراريهم . وقدم حذيفة بسبيهم المدينة، وهم ثلاثمائة من المقاتلة ، وأربعمائة من الذرية والنساء . وأقام عكرمة بدبا عاملاً عليها لأبي بكر .
فلما قدم حذيفة بسبيهم : أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث ، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة . والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ، ولكن شححنا على أموالنا . فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول ، وكلمه فيهم عمر ، وكان رأيه أن لا يسبوا . فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر . فدعاهم عمر ، فقال : انطلقوا إلى أي بلاد شئتم ، فأنتم قوم أحرار . فخرجوا حتى نزلوا البصرة . وكان فيهم أبو صفرة -والد المهلب- وهو غلام يومئذ . ولما قدم غزو أهل دبا أعطاهم أبو بكر خمسة دنانير خمسة دنانير .