منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 149  ]
قديم 04-27-2006, 12:50 AM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
ذكر تقديم خالد الطلائع من البطاح :

لما سار خالد من البطاح وجاء أرض بني تميم : قدم مائتي فارس ، عليهم معن بن عدي ، وقدم عينين له أمامه .
وذكر الواقدي : أن خالداً لما قدم العرض قدم مائتي فارس ، وقال : من أصبتم من الناس فخذوه . فانطلقوا ، وأخذوا مجاعة بن مرارة ، في ثلاثة وعشرين رجلاً من قومه ، خرجوا في طلب رجل أصاب فيهم دماً ، وهم لا يشعرون بإقبال خالد ، فسألوهم : من أنتم ؟ فقالوا : من بني حنيفة ، فقالوا : ما تقولون في صاحبكم ؟ فشهدوا أنه رسول الله ، فقالوا لمجاعة : ما تقول أنت ؟ فقال: ما كنت أقرب مسيلمة ، وقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وما غيرت ولا بدلت . فضرب خالد أعناقهم ، حتى إذا بقي سارية بن عامر ، قال : يا خالد ! إن كنت تريد بأهل اليمامة خيراً أو شراً ، فاستبق مجاعة . وكان مجاعة شريفاً ، فلم يقتله . وترك أيضاً سارية ، وأمر بهما فأوثقا في جوامع من حديد .
وكان يدعو مجاعة -وهو كذلك- فيتحدث معه ، وهو يظن أن خالداً يقتله . فقال : يا ابن المغيرة ! إن لي إسلاماً ، والله ما كفرت ، وأعاد كلامه الأول . فقال خالد : إن بين القتل والترك منزلة ، وهي الحبس ، حتى يقضي الله في حربنا ما هو قاض . ودفعه إلى أم متمم زوجته ، وأمرها أن تحسن إساره . فظن مجاعة أن خالداً يريد حبسه لأجل أن يخبره عن عدوه ويشير عليه . فقال : يا خالد ، لقد علمت أني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعته على الإسلام . وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس . فإن يكن كذاب خرج فينا ، فإن الله يقول : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ، فقال : يا مجاعة ! تركت اليوم ما كنت عليه بالأمس ، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب ، وسكوتك عنه - وأنت أعز أهل اليمامة ، وقد بلغك مسيري -إقراراً له ، ورضى بما جاء به ، فهلا أبديت عذراً ، فتكلمت فيمن تكلم ؟ فقد تكلم ثمامة . فرد وأنكر ، وتكلم اليشكري ، فإن قلت : أخاف قومي ، فهلا عمدت إلي ، أو بعثت إلي رسولاً ؟ فقال : إن رأيت يا ابن المغيرة ! أن تعفو عن هذا كله ؟ فقال : قد عفوت عن دمك ، ولكن في نفسي من تركك حرج .
فقال له ذات يوم : أخبرني عن صاحبك ، ما الذي يقرئكم ؟ هل تحفظ منه شيئاً ؟ قال : نعم ، فذكر له شيئاً من رجزه. فضرب خالد بإحدى يديه على الأخرى ، وقال : يا معشر المسلمين ! اسمعوا إلى عدو الله ، كيف يعارض القرآن ؟ فقال : ويحك ، يا مجاعة ! أراك سيداً عاقلاً ، تسمع إلى كتاب الله ، ثم انظر كيف عارضه عدو الله ؟ فقرأ عليه خالد : بسم الله الرحمن الرحيم : " سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى " . ثم قال خالد : أفما كان في هذا لكم ناه ، ولا زاجر؟ ثم قال : هات من كذب الخبيث . فذكر له بعض رجزه . فقال خالد : وقد كان عندكم حقاً وكنتم تصدقونه ؟ فقال : لو لم يكن عندنا حقاً لما لقيك غداً أكثر من عشرة آلاف سيف ، يضاربونك حتى يموت الأعجل . فقال خالد : إذاً يكفيناهم الله ، ويقر دينه ، فإياه يعبدون ودينه يؤيدون .
قال عبيد الله بن عبد الله : لما أشرف خالد ، وأجمع أن ينزل عقرباء ، ودفع الطلائع أمامه ، فرجعوا إليه فأخبروه : أن مسيلمة ومن معه قد نزلوا عقرباء ، فشاور أصحابه : أن يمضي إلى اليمامة ، أو ينتهي إلى عقرباء . فأجمعوا أن ينتهي إلى عقرباء ، فزحف خالد بالمسلمين إليها ، وكان المسلمون يسألون عن الرجال بن عنفوة ، فإذا الرجل على مقدمة مسيلمة ، فلعنوه وشتموه . فلما فرغ خالد من ضرب عسكره -وبنو حنيفة تسوي صفوفها- نهض خالد إلى صفوفه فصفها . وقدم رايته مع زيد بن الخطاب ، ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس ، فتقدم بها . وجعل على ميمنته : أبا حذيفة بن عتبة ، وعلى ميسرته : شجاع بن وهب ، واستعمل على الخيل البراء بن مالك ، ثم عزله ، واستعمل أسامة بن زيد . فأقبل بنو حنيفة ، وقد سلوا السيوف . فقال خالد : يا معشر المسلمين ! أبشروا ، فقد كفاكم الله أمر عدوكم ، ما سلوا السيوف من بعد إلا ليرهبوا . فقال مجاعة : كلا ، يا أبا سليمان ! ولكنها الهندوانية ، خشوا تحطمها ، وهي غداً باردة ، فأبرزوها للشمس لتسخن متونها . فلما دنوا من المسلمين نادوا : إنا نعتذر إليكم من سلنا سيوفنا ، والله ما سللناها ترهيباً ، ولكن غداة باردة ، فخشينا تحطمها ، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم ، فسترون .
فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وصبر الفريقان صبراً طويلاً ، حتى كثر القتل والجراح في الفريقين . واستحر القتل في المسلمين وحملة القرآن ، حتى فنوا إلا قليلاً . وهزم كل من الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين ، والمشركون عسكر المسلمين مراراً . وجعل زيد بن الخطاب -ومعه الراية- يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ، وأعتذر إليك من فرار أصحابي ، وجعل يشتد بالراية في نحور العدو ، ثم ضارب بسيفه حتى قتل ، رحمه الله ورضي عنه . فأخذ الراية سالم مولى أبي حذيفة ، فقال المسلمون : إنا نخاف أن نؤتى من قبلك . فقال : بئس حامل القرآن أنا ، إذا أتيتم من قبلي .
ونادت الأنصار ثابت بن قيس -ومعه رايتهم- : الزمها ، فإنها ملاك القوم ، فتقدم سالم فحفر لرجليه [حتى بلغ أنصاف ساقيه ، وحفر ثابت لرجليه] مثل ذلك ، ثم لزما رايتيهما . ولقد كان الناس يتفرقون في كل وجه ، وإن سالماً وثابتاً لقائمان ، حتى قتل سالم ، وقتل أبو حذيفة مولاه .
قال وحشي بن حرب : اقتتلنا قتالاً شديداً ، حتى رأيت شهب النار تخرج من خلال السيوف ، حتى سمعت لها صوتاً كالأجراس .
وقال ضمرة بن سعيد المازني -وذكر ردة بني حنيفة- : لم يلق المسلمون عدواً أشد نكاية منهم ، لقوهم بالموت الناقع ، والسيوف قد أصلتوها قبل النبل ، وقبل الرماح . فكان المعول يومئذ على أهل السوابق .
وقال ثابت بن قيس يومئذ : يا معشر الأنصار ! الله ، الله في دينكم ، علمنا هؤلاء أمراً ما كنا نحسنه . ثم أقبل على المسلمين ، وقال : أف لكم ولما تصنعون . ثم قال : خلوا بيننا وبينهم ، أخلصونا . فأخلصت الأنصار ، فلم تكن لهم ناهية ، حتى انتهوا إلى محكم بن الطفيل فقتلوه . ثم انتهوا إلى الحديقة فدخلوها ، فقاتلوا أشد القتال ، حتى اختلطوا فيها ، ثم صاح ثابت صيحة : يا أصحاب سورة البقرة . وأوفى عباد بن بشر على نشز فصاح بأعلى صوته : أنا عباد بن بشر ، يا للأنصار ! أنا عباد ، إلي إلي. فأجابوه : لبيك لبيك ، حتى توافوا عنده . فقال : فداكم أبي وأمي ، حطموا جفون السيوف . ثم حطم جفن سيفه فألقاه . وحطمت الأنصار جفون سيوفها ، ثم قال : حملة صادقة ، اتبعوني . فخرج أمامهم ، حتى ساقوا بني حنيفة منهزمين ، حتى انتهوا إلى الحديقة ، فأغلق عليهم . ثم إن الله فتح الحديقة ، فاقتحم عليهم المسلمون .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : دخلنا الحديقة ، حين جاء وقت الظهر ، واستحر القتال ، فأمر خالد المؤذن ، فأذن على جدار الحديقة بالظهر ، والقوم مقبلون على القتل ، حتى انقطعت الحرب بعد العصر . فصلى بنا خالد الظهر والعصر . ثم بعث السقاة يطوفون على القتلى ، فطفت معهم . فمررت بعامر بن ثابت ، وإلى جنبه رجل من بني حنيفة به جراح ، فسقيت عامراً. فقال الحنفي : اسقني فدى لك أبي وأمي . فقلت : لا ، ولا كرامة ، ولكني أجهز عليك . قال : أحسنت ، أسألك مسألة لا شئ عليك فيها . قلت : ما هي ؟ قال : أبو ثمامة ، ما فعل ؟ قلت : والله قتل ، قال : نبي ضيعه قومه .
ولما قتل منهم من قتل ، وكانت لهم أيضاً في المسلمين مقتلة عظيمة ، قد أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لا تغمدوا السيوف ، وفينا وفيهم عين تطرف ، وكان فيمن بقي من المسلمين جراحات كثيرة . فلما أمسى مجاعة ، أرسل إلى قومه ليلاً أن ألبسوا السلاح النساء والذرية ، ثم إذا أصبحتم فقوموا مستقبلي الشمس على حصونكم ، حتى يأتيكم أمري . وبات المسلمون يدفنون قتلاهم ، فلما فرغوا ، جعلوا يتكمدون بالنار من الجراح. فلما أصبحوا أمر خالد، فسيق مجاعة في الحديد، يعرفهم القتلى فمر برجل وسيم ، فقال : يا مجاعة، أهو هذا ؟ قال : هذا أكرم منه ، هذا محكم بن الطفيل ، إن الذي تبتغون لرجل أصيفر أخينس . فوجدوه ، فوقف عليه خالد ، فحمد الله كثيراً ، وأمر به فألقي في البئر التي كان يشرب منها .
وكان خالد يرى أنه لم يبق منهم أحد إلا من لا عتاد عنده ، فقال : يا مجاعة ! هذا صاحبكم الذي فعل بكم الأفاعيل ، ما رأيت عقولاً أضعف من عقول أصحابك ، مثل هذا فعل بكم ما فعل ؟ فقال مجاعة : قد كان ذلك ، ولا تظن أن الحرب انقطعت، وإن قتلته. إن جماعة الناس ، وأهل البيوتات لفي الحصون ، فانظر . فرفع خالد رأسه ، فإذا السلاح والخلق الكثير على الحصون ، فرأى أمراً غمه . ثم استند ساعة ، ثم أدركته الرجولة ، فقال لأصحابه : يا خيل الله ! اركبي ، يا صاحب الراية قدمها. فقال مجاعة : إني لك ناصح ، وإن السيف قد أفناك ، فتعال أصالحك عن قومي . وقد أخل بخالد مصاب أهل السابقة ، ومن كان عنده الغناء . فقد رق وأحب الموادعة ، مع عجف الكراع . فاصطلحوا على الصفراء والبيضاء ، والحلقة والكراع ونصف السبي . ثم قال مجاعة : إني آت القوم فعارض عليهم ما صنعت . قال : فانطلق ، فذهب . ثم رجع ، فأخبره : أنهم أجازوه . فلما بان لخالد أنما هم النساء والصبيان ، قال : ويلك يا مجاعة ! خدعتني . قال : قومي ، فما أصنع ؟ وما وجدت من ذلك بداً .
وقال أسيد بن حضير وغيره لخالد : اتق الله ، ولا تقبل الصلح . فقال : إنه قد أفناكم السيف . قالوا : وأفنى غيرنا أيضاً . قال : ومن بقي منكم جريح . قالوا : ومن بقي من القوم جرحى ، لا ندخل في الصلح أبداً . أغد بنا عليهم ، حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا. احملنا على كتاب أبي بكر إن أظفرك الله بهم ، فلا تبق منهم أحداً، فبينا هم على ذلك ، إذ جاء كتاب أبي بكر يقطر الدم ، وفيه : إن أظفرك الله بهم ، فلا تستبق رجلاً مرت عليه الموسى. فتكلمت الأنصار في ذلك ، وقالوا : أمر أبي بكر فوق أمرك . فقال : إني والله ما ابتغيت في ذلك إلا الذي هو خير . رأيت أهل السابقة وأهل القرآن قد قتلوا ، ولم يبق معي إلا من لا بقاء له على السيف لو لج عليهم . فقبلت الصلح ، مع أنهم قد أظهروا الإسلام ، واتقوا بالراح .
وتم الصلح ، وكتب إلى أبي بكر يعتذر إليه . فتكلم عمر في شأن خالد بكلام غليظ ، فقال أبو بكر : دع عنك هذا . فقال : سمعاً وطاعة . وقال أبو بكر : ليته حملهم على السيف ، فلن يزالوا من كذابهم في بلية إلى يوم القيامة ، إلا أن يعصمهم الله . وكانت وقعة اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة .
وذكر عمر يوماً وقعة اليمامة ، ومن قتل فيها من أهل السابقة ، فقال :ألحت السيوف على أهل السوابق ، ولم يكن المعول يومئذ إلا عليهم . خافوا على الإسلام أن يكسر بابه ، فيدخل منه إن ظهر مسيلمة ، فمنع الله الإسلام بهم حتى قتل عدوه ، وأظهر كلمته وقدموا -رحمهم الله- على ما يسرون به من ثواب جهادهم من كذب على الله وعلى رسوله ، فاستحر بهم القتل ، فرحم الله تلك الوجوه .
وقال يعقوب بن سعيد بن عبيد الزهري : قتل من بني حنيفة أكثر من سبعة آلاف ، وكان داؤهم خبيثاً ، والطارىء منهم على الإسلام عظيماً ، فاستأصل شأفتهم ، والحمد لله رب العالمين.