فصل
لما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة ؟ اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام ، لتكون غنائمهم شكراناً لأهل الفتح ، وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها ، فلا يقاومهم أحد بعد من العرب . وأذاق المسلمين أولاً مرارة الكسرة ، مع قوة شوكتهم، ليطامن رؤوساً رفعت بالفتح ، ولم تدخل حرمه كما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً رأسه ، منحنياً على فرسه ، حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعاً لربه . وليبين سبحانه -لمن قال : لن نغلب اليوم عن قلة- أن النصر إنما هو من عنده سبحانه ، وأن من يخذله فلا ناصر له غيره . وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه ، لا كثرتكم . فلما انكسرت قلوبهم ، أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها " ، وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين