قصة سراقة بن مالك :
فلما أيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيهما دية كل واحد منهما ، لمن يأتي بهما أو بأحدهما ، فجد الناس في الطلب ، والله غالب على أمره .
فلما مروا بحي مدلج مصعدين من قديد ، بصر بهم رجل فوقف على الحي ، فقال : لقد رأيت آنفاً أسودة ما أراها إلا محمداً وأصحابه .
ففطن بالأمر سراقة بن مالك ، فأراد أن يكون الظفر له ، وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه ، فقال: بل هما فلان وفلان، خرجا في طلب حاجة لهما . ثم مكث قليلاً ، ثم قام فدخل خباءه ، وقال لجاريته : اخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة . ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه ، فلما قرب منهم ، وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يكثر الالتفات ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت- قال أبو بكر : يا رسول الله ! هذا سراقة بن مالك قد رهقنا . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض ، فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما ، فادعوا الله لي ، ولكما أن أرد الناس عنكما . فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخلصت يدا فرسه ، فانطلق . وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يكتب له كتاباً ، فكتب له أبو بكر بأمره في أديم . وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة ، فجاء به ، فوفى له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فرجع ، فوجد الناس في الطلب ، فجعل يقول : قد استبرأت لكم الخبر ، وقد كفيتم ها هنا ، فكان أول النهار جاهداً عليهما ، وكان آخره حارساً لهما