إسلام سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير :
فقال سعد بن معاذ - سيد الأوس ، لأسيد بن حضير : اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي . ولولا ذلك لكفيتك ذلك . وكان سعد وأسيد سيدي قومهما . فأخذ أسيد حربته ، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة ، قال لمصعب : هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه . قال مصعب : إن يكلمني أكلمه . فوقف عليهما ، فقال : ما جاء بكما إلينا ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا ، إن كان لكما في أنفسهما حاجة . فقال له مصعب : أو تجلس فتسمع . فإن رضيت أمراً قبلته . وإن كرهته كف عنك ما تكره . فقال : أنصفت. ثم ركز حربته وجلس . فكلمه مصعب بالإسلام ، وتلا عليه القرآن . قال : فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، في إشراقه وتهلله .
ثم قال : ما أحسن هذا وما أجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟
قالا له : تغتسل وتطهر ثوبك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين .
فقام واغتسل ، وطهر ثوبه ، وتشهد وصلى ركعتين ، ثم قال : إن ورائي رجلاً إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه . وسأرشده إليكما الآن -سعد بن معاذ- ثم أخذ حربته ، وانصرف إلى سعد في قومه ، وهم جلوس في ناديهم .
فقال سعد : أحلف بالله ، جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم .
فلما وقف على النادي ، قال له سعد : ما فعلت ؟ فقال : كلمت الرجلين ، فوالله ما رأيت بهما بأساً ، وقد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت .
وقد حدثت : أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه -وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك- ليخفروك . فقام سعد مغضباً ، للذي ذكر له . فأخذ حربته ، فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتماً . ثم قال لأسعد بن زرارة : والله يا أبا أمامة ! لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارنا بما نكره ؟ .
وقد كان أسعد قال لمصعب : جاءك والله سيد من ورائه قومه . إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد .
فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع ؟ فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره . قال : قد أنصفت ، ثم ركز حربته فجلس .
فعرض عليه الإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، قال : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، في إشراقه وتهلله ، ثم قال: كيف تصنعون إذا أسلمتم ؟ قالا : تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين ، ففعل ذلك . ثم أخذ حربته ، فأقبل إلى نادي قومه ، فلما رأوه قالوا : نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به . فقال : يا بني عبد الأشهل ، كيف أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا ، وابن سيدنا ، وأفضلنا رأياً ، وأيمننا نقيبة . قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا أسلموا، إلا الأصيرم . فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، فأسلم وقاتل وقتل ، ولم يسجد لله سجدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "عمل قليلاً وأجر كثيراً" .
فأقام مصعب في منزل أسعد يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ، ووائل ، وواقف .
وذلك : أنهم كان فيهم قيس بن الأسلت الشاعر ، وكانوا يسمعون منه ، فوقف بهم عن الإسلام ، حتى كان عام الخندق ، بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما كان من العام المقبل ، وجاء موسم الحج ، قال من أسلم من الأنصار : حتى متى نترك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، يطرد في جبال مكة ويخاف ؟! فخرجوا مع مشركي قومهم حجاجاً