منتديات جعلان - عرض مشاركة واحدة - بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام )))
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 9  ]
قديم 04-26-2006, 01:59 PM
جعلاني ذهبي


المشاركات
4,762

+التقييم

تاريخ التسجيل
Oct 2004

الاقامة

نظام التشغيل
oman

رقم العضوية
12

اسير الصحراء is on a distinguished road
غير متواجد
 
افتراضي
سؤالهم الآيات :

والله سبحانه قد يظهر الآيات الكثيرة ، مع طبعه على قلب الكافر ، كفرعون ، قال تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها " إلى قوله : " ولكن أكثرهم يجهلون " ، وقال تعالى : " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الآية .
بين سبحانه وتعالى : أنه إنما منعه أن يرسل بها إلا أن كذب بها الأولون ، فإذا كذب هؤلاء كذلك ، استحقوا عذاب الاستئصال .
وروى أهل التفسير ، وأهل الحديث عن ابن عباس ، قال : سأله أهل مكة أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا ، فقيل له : إن شئت نستأني بهم ، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا هلكوا ، كما هلك من قبلهم ، فقال : بل استأني بهم ، فأنزل الله : " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الآية .
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية ، قال : رحمة لكم أيها الأمة ، إنا لو أرسلنا بالآيات ، فكذبتم بها : أصابكم ما أصاب من قبلكم . وكانت الآيات تأتيهم آية بعد آية ، فلا يؤمنون بها ، قال تعالى : " وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " الآية .
أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم فيعرضون عنها ، وأنهم سيرون صدق ما جاءت به الرسل ، كما أهلك الله من كان قبلهم بالذنوب التي هي تكذيب الرسل ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا " الآية . وأخبر بشدة كفرهم بأنهم لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ، لكذبوا به . وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكاً لجعله على صورة الرجل . إذ كانوا لا يستطيعون أن يروا الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها ، وحينئذ يقع اللبس عليهم ، لظنهم الرسول بشراً لا ملكاً . وقال تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " الآيات .
وهذه الآيات لو أجيبوا إليها ، ثم لم يؤمنوا : لأتاهم عذاوب الاستئصال ، وهي لا توجب الإيمان ، بل إقامة للحجة ، والحجة قائمة بغيرها . وهي أيضاً مما لا يصلح ، فإن قولهم : " حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " يقتضي تفجيرها بمكة ، فيصير وادياً ذا زرع . والله سبحانه وتعالى قضى بسابق حكمته : أن جعل بيته بواد غير ذي زرع ، لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا ، فيكون حجهم للدنيا .
وإذا كان له جنة من نخيل وعنب كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته ، وكذلك إذا كان له قصر من زخرف ، وهو الذهب . أما إسقاط السماء كسفاً : فهذا لا يكون إلا يوم القيامة . وأما الإتيان بالله والملائكة قبيلاً : فهذا لما سأل قوم موسى موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة ، وقال تعالى : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " الآيات .
بين سبحانه : أن المشركين وأهل الكتاب سألوه إنزال كتاب من السماء ، وبين أن الطائفتين لا يؤمنون إذا جاءهم ذلك ، وأنهم إنما سألوه تعنتاً ، فقال عن المشركين : " ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس " الآية .
وقال عن أهل الكتاب : " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك " إلى قوله : " ورفعنا فوقهم " ، فهم -مع هذا- نقضوا الميثاق، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا النبيين . فكان فيه من الاعتبار : أن الذين لا يهتدون إذا جاءتهم الآيات المقترحة لم يكن في مجيئها منفعة لهم ، بل فيها وجوب عقوبة عذاب الاستئصال إذا لم يؤمنوا ، وتغليظ الأمر عليهم ، كما قال تعالى : " فبظلم من الذين هادوا " الآية ، فكان في إنزال مثل هذه : أعظم رحمة وحكمة .
ولما طلب الحواريون من المسيح المائدة ، كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذاباً ، لم يعذب الله به أحداً من العالمين . وكان قبل نزول التوراة يهلك المكذبين بالرسل بعذاب الاستئصال عاجلاً . وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض ، إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال ، كما قال تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى " ، بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون -من الكفر والمعاصي- يعذب الله بعضهم ويبقي بعضهم ، إذ كانوا لا يتفقون على الكفر ، ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح . قال تعالى : " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك " الآية ، وقال : " من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون " الآيتين .
وكان من حكمته تعالى ورحمته -لما أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين- أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال ، بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين ، الذين قال الله فيهم : " إنا كفيناك المستهزئين " الآيات .
والذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه كلباً من كلابه فافترسه الأسد ، كما قال تعالى : " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده " الآية .
فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود ، وتارة بغير ذلك . فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم ، كما جرى لقريش وغيرهم ، فإنه لو أهلكهم لبادوا ، وانقطعت المنفعة بهم ، ولم يبق لهم ذرية تؤمن ، بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر ، فإن في ذلك ما يوجب عجزهم ، والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها ، فلا تكاد تنصرف عنها . بخلاف عجزها عنها ، فإنه يدعوها إلى التوبة ، كما قيل : من العصمة أن لا تقدر ، ولهذا آمن عامتهم .
وقد ذكر الله في التوراة لموسى : إني أقسي قلب فرعون ، فلا يؤمن بك لتظهر أياتي وعجائبي .
بين أن في ذلك من الحكمة : انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض ، إذ كان موسى أخبر بتكليم الله وبكتابة التوراة له ، فأظهر له من الآيات ما يبقى ذكره في الأرض . وكان في ضمن ذلك : من تقسية قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه .
وفرعون كان جاحداً للصانع ، فلذلك أوتي موسى من الآيات ما يناسب حاله .
وأما بنو إسرائيل -مع المسيح- فكانوا مقرين بالكتاب الأول ، فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى ، ولم يكن محتاجاً إلى جنس تقرير النبوة ، إذ كانت الرسل قبله جاءت بما يثبت ذلك ، وإنما الحاجة إلى تثبيت نبوته .
ومع هذا فقد أظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم ، ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال ، بل بين الله في القرآن: أنها لا تنفعهم بل تضرهم ، لأنه علم أن قلوبهم كقلوب الأولين ، كما قال تعالى : " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون* أتواصوا به " الآية، وقال تعالى : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم " الآية ، وقال تعالى : " أكفاركم خير من أولئكم " الآية ، وسورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر ، وإعراضهم عن الآيات ، وقوله : " سحر مستمر "، وقال فيها : " ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر " .
أي : يزجرهم عن الكفر زجراً شديداً ، إذ كان في تلك الأنباء صدق الرسول والإنذار بالعذاب الذي وقع بالمتقدمين .
ولهذا يقول عقيب كل قصة : " فكيف كان عذابي ونذر " ، أي : عذابي لمن كذب رسلي ، وإنذاري لهم بذلك قبل مجيئه ، ثم قال : " أكفاركم " أيتها الأمة " خير من أولئك " الذين كذبوا الرسل من قبلكم ، " أم لكم براءة في الزبر* أم يقولون نحن جميع منتصر "، وذلك أن كونكم تعذبون مثلهم . إما لكونكم لا تستحقون ما استحقوا ، أو لكون الله أخبر أنه لا يعذبكم ، فهذا بالنظر إلى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، فيقولون : " نحن جميع منتصر " ، فإنهم أكثر وأقوى ، كما قالوا : " أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا " إلى قوله : " أثاثا ورئيا " ، أي : أموالاً ومنظراً . فقال تعالى : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " .
أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمتهم ، وهو بمكة ، في قلة من الأتباع ، وضعف منهم . ولا يظن أحد -قبل أن يهاجر- بالعادة المعروفة : أن أمره يعلو ، ويقاتلهم ، فكان كما أخبر ، وذلك ببدر ، وتلك سنة الله ، كما قال تعالى : " سنة الله التي قد خلت من قبل " الآية .
وحيث يظهر الكفار ويغلبون ، فإنما يكون ذلك لذنوب المؤمنين التي أوجبت نقص إيمانهم ، فإذا تابوا نصرهم الله ، كما قال تعالى : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .
فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة : أن لا يهلكهم بالاستئصال كالذين من قبلهم ، قال تعالى : " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر " كان لا يأتي بموجب ذلك ، مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة أكمل في الحكمة والرحمة، إذ كان ما أتى به حصل به كمال الهدى والحجة ، وما امتنع منه دفع من عذاب الاستئصال ما أوجب بقاء جمهور الأمة ، حتى يهتدوا ويؤمنوا ، وكان في إرسال خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم من الحكمة البالغة ، والمنن السابغة ، ما لم يكن في رسالة غيره ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .
رجعنا إلى سيرته صلى الله عليه وسلم