سؤالهم عن الروح وأهل الكهف :
وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمره ؟
قال ابن إسحاق عن ابن عباس : "بعثت قريش النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهما: سلاهم عن محمد ، وصفا لهم صفته ، فإنهم أهل الكتاب . وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألاهم عنه ؟ ووصفا لهم أمره . فقالت لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإلا فهو رجل متقول : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول : ما كان أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب . وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، فما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ؟ فأقبلا حتى قدما مكة ، فقالوا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد . قد أخبرنا أحبار يهود : أن نسأله عن أشياء أمرونا بها . فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عما أخبرهم أحبار يهود ، فجاءه جبريل بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه ، من أمر الفتية ، والرجل الطواف ، وجاءه بقوله : " ويسألونك عن الروح " الآية" .
قال ابن إسحاق : فافتتح السورة بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروا عليه من ذلك ، فقال : " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب " ، يعني : أنك رسول مني ، أي تحقيق ما سألوا عنه ، من نبوتك " ولم يجعل له عوجا " ، أي : أنزله معتدلاً . لا خلاف فيه -وذكر تفسير السورة- " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا "، أي : ما رأوا من قدرتي في أمر الخلائق ، وفيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك وأعجب .
وعن ابن عباس : الذي آتيتك من الكتاب والسنة أعظم من شأن أصحاب الكهف . قال ابن عباس : والأمر على ما ذكروا ، فإن مكثهم نياماً ثلاثمائة سنة : آية دالة على قدرة الله ومشيئته ، وهي أية دالة على معاد الأبدان ، كما قال تعالى : " وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها " ، وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم ، هل تعاد الأرواح وحدها ؟ أم الأرواح والأبدان ؟ فجعلهم الله آية دالة على معاد الأبدان ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصتهم من غير أن يعلمه بشر ، آية دالة على نبوته . فكانت قصتهم آية دالة على الأصول الثلاثة : الإيمان بالله ، ورسوله ، واليوم الآخر ، ومع هذا : فمن آيات الله ما هو أعجب من ذلك .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سؤالهم عن هذه الآيات التي سألوه عنها ليعلموا : هل هو نبي صادق ، أو كاذب ؟ فقال : " ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا " ، وقوله : " لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين " إلى قوله : " إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون " .
والقرآن مملوء من إخباره بالغيب الماضي ، الذي لا يعلمه أحد من البشر ، إلا من جهة الأنبياء ، لا من جهة الأولياء ، ولا من جهة غيرهم ، وقد عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعلم هذا من بشر ، ففيه آية وبرهان قاطع على صدقه ونبوته