ذكر أمر الحمس
وذكر أمر الحمس - وقال : إن قريشاً ابتدعته رأياً رأوه ، فقالوا : نحن بنو إبراهيم ، وأهل الحرم ، وولاة البيت ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا، فلا تعظموا أشياء من الحل مثلما تعظمون الحرم ، لئلا تستخف العرب بحرمتكم . فتركوا الوقوف بعرفة ، والإفاضة منها ، ومع معرفتهم أنها من المشاعر ، ومن دين إبراهيم . ويرون لسائر العرب أن يقفوا بها ، ويفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم ، فلا ينبغي لنا أن نخرج منه . نحن الحمس . و الحمس أهل الحرم .
ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من أهل الحرم ، مثل ما لهم بولادتهم إياهم ، أي : يحل لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم .
وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك .
ثم ابتدعوا في ذلك أموراً ، فقالوا : لا ينبغي للحمس أن يقطوا الأقط ، ولا أن يسلوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتاً من شعر ، ولا يستظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حرماً .
ثم قالوا : لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم ، إذا جاءوا حجاجاً أو عماراً ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا -أول طوافهم- إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا منها شيئاً طافوا بالبيت عراة ، فإن لم يجد القادم ثياب الحمس : طاف في ثيابه ، وألقاها إذا فرغ من طوافه ، ولم ينتفع بها ولا أحد غيره .
فكانت العرب تسميها اللقى وحملوا على ذلك العرب ، فدانت به . أما الرجال : فيطوفون عراة . وأما النساء : فتضع المرأة ثيابها كلها إلا درعاً مفرجاً ثم تطوف فيه ، فقالت امرأة وهي تطوف :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فلم يزالوا كذلك حتى جاء الله بالإسلام ، فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، وأنزل فيما حرموا : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " إلى قوله : " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " إلى قوله : " لقوم يعلمون " .
وذكر حدوث الرجوم ، وإنذار الكهان به صلى الله عليه وسلم ، ونزول سورة الجن وقصتهم