![]() |
سمية أول شهيدة :
ومر أبو جهل بسمية -أم عمار رضي الله عنهما - وهي تعذب ، وزوجها وابنها . فطعنها بحربة في فرجها فقتلها . وكان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه وأعتقه ، منهم بلال . فإنه عذب في الله أشد العذاب . ومنهم عامر بن فهيرة ، وجارية لبني عدي ، كان عمر يعذبها على الإسلام ، فقال أبو قحافة -عثمان بن عامر- لابنه أبي بكر : يا بني ، أراك تعتق رقاباً ضعافاً . فلو أعتقت قوماً جلداً يمنعونك ؟ فقال : إني أريد ما أريد ، وكان بلال كلما اشتد به العذاب يقول : أحد ، أحد . |
ابتداء الدعوة :
وقال الزهري : لما ظهر الإسلام ، أتى جماعة من كفار قريش إلى من آمن من عشائرهم ، فعذبوهم وسجنوهم ، وأرادوا أن يفتنوهم عن دينهم . قال الواقدي : حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهم . قالوا : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين مستخفياً . ثم أعلن في الرابعة ، فدعا الناس عشر سنين ، يوافي المواسم كل عام ، يتبع الناس في منازلهم . وفي المواسم بعكاظ ، ومجنة ، وذي المجاز يدعوهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ، ولهم الجنة . فلا يجد أحداً ينصره ويحميه . حتى ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ، فيقول : "يا أيها الناس ! قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم . فإذا متم كنتم ملوكاً في الجنة ، وأبو لهب وراءه يقول : لا تطيعوه ، فإنه صابىء كذاب . فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد . ويؤذونه ، ويقولون : عشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك . وهو يقول : اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا" . ولما نزل عليه قوله تعالى : " وأنذر عشيرتك الأقربين " صعد الصفا فنادى : واصباحاه ، فلما اجتمعوا إليه قال : لو أخبرتكم أن خيلاً تريد أن تخرج عليكم من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي ، قالوا : نعم ، ما جربنا عليك كذباً . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب : تباً لك ، ما جمعتنا إلا لهذا ؟ فأنزل الله قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب " . قال ابن القيم رحمه الله : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله مستخفياً ثلاث سنين ، ثم نزل عليه : " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين |
أول دم أهريق :
وفي السنة الرابعة : ضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً من المشركين فشجه وذلك : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب ، فيصلون فيها ، فرآهم رجل من الكفار ، ومعه جماعة من قريش فسبوهم ، وضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً منهم ، فسال دمه ، فكان أول دم أهريق في الإسلام |
استهزاء المشركين :
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه -مثل عمار بن ياسر ، وخباب بن الأرت ، وصهيب الرومي ، وبلال ، وأشباههم - فإذا مرت بهم قريش استهزؤوا بهم ، وقالوا : أهؤلاء -جلساؤه- قد من الله عليهم من بيننا ؟ فأنزل الله : " أليس الله بأعلم بالشاكرين " . وفيهم نزل : " والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " . "وقال أبو جهل : والله لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على رقبته . فبلغه أن رسول الله يصلي ، فأتاه . فقال : ألم أنهك عن الصلاة ؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتنتهرني ، وأنا أعز أهل البطحاء ؟ فنزل قوله تعالى : " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " ، وفي بعض الروايات ، أنه قال : ألم أنهك ؟ فوالله ما في مكة أعز من نادي". وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : "هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وزعم ليطأن رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه . وقال : بيني وبينه خندق من نار وهولاً وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً، فأنزل الله تعالى -لا ندري في حديث أبي هريرة أو شئ بلغه-: " كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى |
الهجرة الأولى إلى الحبشة :
وفي السنة الخامسة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما اشتد عليهم العذاب والأذى ، وقال : إن فيها رجلاً لا يظلم الناس عنده. وكانت الحبشة متجر قريش ، وكان أهل هذه الهجرة الأولى : اثني عشر رجلاً وأربع نسوة . وكان أول من هاجر إليها : عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وستر قوم إسلامهم . وممن خرج : الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو سلمة وامرأته رضي الله عنهم . خرجوا متسللين سراً ، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار ، فحملوهم إلى الحبشة ، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر ، فلم يدركوا منهم أحداً . وكان خروجهم في رجب . فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان ، ثم رجعوا إلى مكة في شوال ، لما بلغهم : أن قريشاً صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفوا عنه . وكان سبب ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم ، فلما بلغ : " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . ولقد علمنا أن الله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع عنده . فلما بلغ السجدة سجد ، وسجد معه المسلمون والمشركون كلهم ، إلا شيخاً من قريش ، رفع إلى جبهته كفاً من حصى فسجد عليه ، وقال : يكفيني هذا ، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً ، وخاف من الله خوفاً عظيماً ، فأنزل الله : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته " الآيات . ولما استمر النبي صلى الله عليه وسلم على سب آلهتهم ، عادوا إلى شر مما كانوا عليه ، وازدادوا شدة على من أسلم . |
الهجرة الثانية إلى الحبشة :
فلما قرب مهاجرة الحبشة من مكة ، وبلغهم أمرهم ، توقفوا عن الدخول . ثم دخل كل رجل في جوار رجل من قريش . ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم ، وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية ، فخرجوا . وكان عدة من خرج في المرة الثانية : ثلاثة وثمانين رجلاً -إن كان فيهم عمار بن ياسر- ومن النساء تسع عشرة امرأة . فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة : رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً ، ومن النساء ثمان . ومات منهم رجلان بمكة ، وحبس سبعة ، وشهد بدراً منهم أربعة وعشرون رجلاً |
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يزوجه أم حبيبة :
فلما كان شهر ربيع سنة سبع من الهجرة : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ، وكتب إليه : أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكانت مهاجرة مع زوجها عبيد الله بن جحش ، فتنصر هناك ومات نصرانياً . وكتب إليه أيضاً : أن يبعث إليه من بقي من أصحابه ، فلما قرأ الكتاب أسلم . وقال : لو قدرت أن آتيه لأتيته . وزوجه أم حبيبة ، وأصدقها عنه أربعمائة دينار . وحمل بقية أصحابه في سفينتين . فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، وقد فتحها |
بعث قريش إلى النجاشي تطلب إرجاع المسلمين :
ولما كان بعد بدر : اجتمعت قريش في دار الندوة . وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي ثأراً ، فاجمعوا مالاً ، وأهدوه إلى النجاشي ، لعله يدفع إليكم من عنده ولننتدب لذلك رجلين من أهل رأيكم . فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدية ، فركبا البحر ، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه . وقالا : قومنا لك ناصحون . وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم اتبعوا رجلاً كذاباً ، خرج فينا يزعم أنه رسول الله ، ولم يتبعه إلا السفهاء فضيقنا عليهم ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد . فقتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر ، بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ، فاحذرهم ، وادفعهم إلينا لنكفيكهم ، وآية ذلك : أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي تحيى بها ، رغبة عن دينك . فدعاهم النجاشي ، فلما حضروا ، صاح جعفر بن أبي طالب بالباب : يستأذن عليك حزب الله، فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل . قال : نعم . فليدخلوا بإذن الله وذمته . فدخلوا ولم يسجدوا له ، فقال : ما منعكم أن تسجدوا لي ؟ قالوا : إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبياً صادقاً ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله ، وهي السلام ، تحية أهل الجنة . فعرف النجاشي أن ذلك حق ، وأنه في التوراة والإنجيل . فقال : أيكم الهاتف يستأذن ؟ فقال جعفر : أنا ، قال : فتكلم . فقال : إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم . وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي . فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ، فتسمع محاورتنا . فقال عمرو لجعفر : تكلم . فقال جعفر للنجاشي : سله ، أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيداً أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم . فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال : هل أهرقنا دماً بغير حق فيقتص منا ؟ قال عمرو : ولا قطرة . فقال : هل أخذنا أموال الناس بغير حق ، فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو : ولا قيراط . فقال النجاشي : فما تطلبون منهم ؟ قال : كنا نحن وهم على أمر واحد ، على دين آبائنا ، فتركوا ذلك واتبعوا غيره . فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه ، وما الذي اتبعتموه ؟ قل واصدقني . فقال جعفر : أما الذي كنا عليه فتركناه ، وهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ، ونعبد الحجارة . وأما الذي تحولنا إليه : فدين الله الإسلام ، جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقاً له . فقال : تكلمت بأمر عظيم ، فعلى رسلك . ثم أمر بضرب الناقوس ، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فقال لهم : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبياً ؟ قالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى ، وقال : من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي . فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه : ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ فقال : يقرأ علينا كتاب الله ، ويأمرنا بالمعروف ، وينهانا عن المنكر ، ويأمرنا بحسن الجوار ، وصلة الرحم ، وبر اليتيم ، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له . فقال : اقرأ مما يقرأ عليكم . فقرأ سورتي العنكبوت والروم . ففاضت عينا النجاشي من الدمع ، وقال: زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف . فأراد عمرو أن يغضب النجاشي ، فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه . فقال : ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم ، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين . فقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيراً . وفيه نزل قول الله تعالى : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق " الآيات . فأقبل النجاشي على جعفر ، ثم قال . اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم ، فلا هوادة اليوم على حزب إبراهيم . |
موت النجاشي :
ولما مات النجاشي ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه كما يصلي على الجنائز . فقال المنافقون : يصلي على علج مات بأرض الحبشة ، فأنزل الله تعالى : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله " الآية . وقيل : إن إرسال قريش في طلبهم كان قبل الهجرة إلى المدينة ، وفي سنة خمس من النبوة استتر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ابن أبي الأرقم |
إسلام حمزة بن عبد المطلب :
وفي السنة السادسة : أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر . قال ابن إسحاق : مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا ، فآذاه ونال منه . ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد ، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها على الصفا ، تسمع ما يقول أبو جهل . وأقبل حمزة من القنص متوشحاً قوسه -وكان يسمى أعز قريش- فأخبرته مولاة ابن جدعان بما سمعت من أبي جهل ، فغضب . ودخل المسجد -وأبو جهل جالس في نادي قومه- فقال له حمزة : يا مصفر استه ! تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة موضحة ، فثار رجل من بني مخزوم ، وثار بنو هاشم ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً . فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز فكفوا عنه بعدما كانوا ينالون منه . |
| الساعة الآن 07:59 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][