منتديات جعلان

منتديات جعلان (http://www.jalaan.com/index.php)
-   جعلان للبحوثات العلمية (http://www.jalaan.com/forumdisplay.php?f=78)
-   -   بحث((( موسوعة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ))) (http://www.jalaan.com/showthread.php?t=10278)

اسير الصحراء 04-26-2006 02:09 PM

بناء المسجد :


قال الزهري : بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجده ، وكان مربداً لسهل وسهيل ، غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حجر أسعد بن زرارة . فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ، ليتخذه مسجداً ، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاشتراه منهما بعشرة دنانير .
وفي الصحيح أنه قال : يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا . لا والله ، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله - وكان فيه شجر غرقد ونخل ، وقبور للمشركين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت ، وبالنخيل والشجر فقطع . وصفت في قبلة المسجد . وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع . وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه ، وأساسه قريباً من ثلاثة أذرع ، ثم بنوه باللبن ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم ، وينقل اللبن والحجارة بنفسه ، ويقول :
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
وجعلوا يرتجزون ، ويقول أحدهم في رجزه :
لئن قعدنا والرسول يعمل لذاك منا العمل المضلل
وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب : باب في مؤخره ، وباب يقال له : باب الرحمة ، والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجعل عمده الجذوع ، وسقفه الجريد وقيل له : ألا تسقفه ؟ قال : عريش كعريش موسى، وبنى بيوت نسائه إلى جانبيه . بيوت الحجر باللبن ، وسقفها بالجذوع والجريد

اسير الصحراء 04-26-2006 02:09 PM

بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة :


فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد ، وكان بناؤه بها في شوال من السنة الأولى ، وكان بعض الناس يكره البناء في شوال ، قيل : إن أصله أن طاعوناً وقع في الجاهلية ، وكانت عائشة تتحرى أن تدخل نساءها في شوال وتخالفهم ، وجعل لسودة بيتاً آخر

اسير الصحراء 04-26-2006 02:13 PM

المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين :


ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلاً : نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، وعلى أن يتوارثوا بعد الموت ، دون ذوي الأرحام ، إلى وقعه بدر . فلما أنزل الله : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ، رد التوارث إلى الأرحام [دون عقد الأخوة] .
وقيل : إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية ، واتخذ علياً أخاً لنفسه ، والأثبت الأول .
وفي الصحيح عن عائشة ، قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة ، فمرض أبو بكر ، وكان يقول إذا أخذته الحمى :
كل امرىء مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ، ويقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة؟ وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
اللهم العن عتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، وشيبة بن ربيعة ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقال : اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد . اللهم صححها ، وبارك لنا في صاعها ومدها ، وانقل حماها إلى الجحفة ، قالت : فكان المولود يولد في الجحفة ، فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى" .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:13 PM

حوادث السنة الأولى :


وفي السنة الأولى : زيد في صلاة الحضر ركعتين ، فصارت أربع ركعات .
وفيها : نزل أهل الصفة المسجد ، وكانت مكاناً في المسجد ينزل فيه فقراء المهاجرين الذين لا أهل لهم ولا مال ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرقهم في أصحابه إذا جاء الليل ، ويتعشى طائفة منهم معه ، حتى جاء الله بالغنى .
وهذه السنة الرابعة عشرة من النبوة ، هي الأولى من الهجرة كما تقدم ، ومنها أرخ التاريخ .
وتوفي فيها من الأعيان : أسعد بن زرارة ، قبل أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء المسجد . وتوفي البراء بن معرور في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهو أول من مات من النقباء .
وفيها توفي ضمرة بن جندب ، وكان قد مرض بمكة ، فقال لبنيه : اخرجوا بي منها ، فخرجوا به يريد الهجرة ، فلما بلغ أضاة بني غفار -أو التنعيم- مات ، فأنزل الله تعالى : " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " الآية .
وكلثوم بن الهدم الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفيها : وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود ، وكتب بينه وبينهم كتاباً .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:14 PM

إسلام عبد الله بن سلام :

وبادر عالم اليهود وحبرهم : عبد الله بن سلام فأسلم ، وأبى عامتهم إلا الكفر .
وكانوا ثلاث قبائل : قينقاع ، والنضير ، وقريظة ، فنقض الثلاث العهد . وحاربهم ، فمن على بني قينقاع ، وأجلى بني النضير ، وقتل بني قريظة . ونزلت سورة الحشر في بني النضير ، وسورة الأحزاب في بني قريظة

اسير الصحراء 04-26-2006 02:14 PM

حوادث السنة الثانية :


وفي السنة الثانية : رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقيه على بلال .
وفيها : فرض صوم رمضان ، ونسخ صوم عاشوراء ، وبقي صومه مستحباً .
وفيها : زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاطمة رضي الله عنهما .
وفيها : صرف الله عز وجل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:15 PM

تحويل القبلة :


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة عشر شهراً ، قبلة اليهود. وكان يحب أن يصرفه الله إلى الكعبة ، وقال لجبريل ذلك ، فقال : إنما أنا عبد ، فادع ربك واسأله . فجعل يقلب وجهه في السماء ، يرجو ذلك، حتى أنزل الله عليه : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " الآيات .
وكان في ذلك حكمة عظيمة ، ومحنة للناس ، مسلمهم وكافرهم . فأما المسلمون ، فقالوا : " يقولون آمنا به كل من عند ربنا " ، وهم الذين هدى الله ، ولم تكن بكبيرة عليهم .
وأما المشركون ، فقالوا : " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " .
وأما المنافقون ، فقالوا : إن كانت القبلة الأولى حقاً ، فقد تركها . وإن كانت الثانية هي الحق ، فقد كان على باطل .
ولما كان ذلك عظيماً وطأ الله سبحانه قبله أمر النسخ ، وقدرته عليه ، وأنه سبحانه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله . ثم عقب ذلك بالمعاتبة لمن تعنت على رسوله ولم ينقد له ، ثم ذكر بعده : اختلاف اليهود والنصارى ، وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شئ ، ثم ذكر شركهم بقولهم : اتخذ الله ولداً .
ثم أخبر : أن المشرق والمغرب لله ، فأينما يولي عباده وجوههم فثم وجهه .
وأخبر رسوله : أن أهل الكتاب لا يرضون عنه حتى يتبع قبلتهم .
ثم ذكر خليله إبراهيم وبناءه البيت بمعاونة ابنه إسماعيل عليهما السلام ، وأنه جعل إبراهيم إماماً للناس ، وأنه لا يرغب عن ملته إلا من سفه نفسه .
ثم أمر عباده أن يأتموا به ، وأن يؤمنوا بما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل إليهم وإلى سائر النبيين . وأخبر : أن الله -الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم- وهو الذي هداهم إلى هذه القبلة التي هي أوسط القبل ، وهم أوسط الأمم ، كما اختار لهم أفضل الرسل ، وأفضل الكتب .
وأخبر : أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة ، إلا الظالمين ، فإنهم يحتجون عليهم بتلك الحجج الباطلة الواهنة ، التي لا ينبغي أن تعارض الرسل بأمثالها ، وليتم نعمته عليهم ويهديهم .
ثم ذكر نعمته عليهم بإرسال الرسول الخاتم ، وإنزال الكتاب . وأمرهم بذكره وشكره ورغبهم في ذلك بأنه يذكر من ذكره ويشكر من شكره .
وأمرهم بما لا يتم ذلك إلا به ، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة . وأخبرهم : أنه مع الصابرين

اسير الصحراء 04-26-2006 02:15 PM

فصل

ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأيده الله بنصره وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم بعد العداوة ، ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود ، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة . والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح ، حتى قويت الشوكة . فحينئذ أذن لهم في القتال ، ولم يفرضه عليهم ، فقال تعالى : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " ، وهي أول آية نزلت في القتال .
ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم ، فقال تعالى : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " الآية .
ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، فقال : " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " الآية .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:16 PM

بعض خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم :


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه في الحرب : على أن لا يفروا ، وربما بايعهم على الموت ، وربما بايعهم على الجهاد ، وربما بايعهم على الإسلام . وبايعهم على الهجرة قبل الفتح ، وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله .
وبايع نفراً من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً ، فكان السوط يسقط من أحدهم ، فينزل عن دابته فيأخذه ، ولا يسأل أحداً أن يناوله إياه .
وكان يبعث البعوث يأتونه بخبر عدوه ، ويطلع الطلائع ، ويبث الحرس والعيون ، حتى لا يخفى عليه من أمر عدوه شئ .
وكان إذا لقي عدوه دعا الله واستنصر به ، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله ، والتضرع له .
وكان كثير المشاورة لأصحابه في الجهاد .
وكان يتخلف في ساقتهم ، فيزجي الضيف ، ويردف المنقطع .
وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها .
وكان يرتب الجيش والمقاتلة ، ويجعل في جنبة كفؤاً لها .
وكان يبارز بين يديه بأمره ، وكان يلبس للحرب عدته ، وربما ظاهر بين درعين كما فعل يوم بدر .
وكان له ألوية ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثاً ثم قفل .
"وكان إذا أراد أن يغير ينتظر ، فإذا سمع مؤذناً لم يغر ، وإلا أغار" .
"وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة" .
"وكان إذا اشتد البأس اتقوا به ، وكان أقربهم إلى العدو" .
"وكان يحب الخيلاء في الحرب ، وينهى عن قتل النساء والولدان ، وينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو

اسير الصحراء 04-26-2006 02:17 PM

أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم :

وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول موسى بن عقبة -لواء حمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان في السنة الأولى ، بعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة ، يعترض عيراً لقريش ، جاءت من الشام ، فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل ، حتى بلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فالتقوا واصطفوا للقتال فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، وكان موادعاً للفريقين ، فلم يقتتلوا .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:17 PM

سرية عبيدة بن الحارث :

ثم بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في شوال من تلك السنة، في سرية إلى بطن رابغ في ستين رجلاً من المهاجرين خاصة . فلقي أبا سفيان عند رابغ ، فكان بينهم الرمي ، ولم يسلوا السيوف ، وإنما كانت مناوشة . وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في سبيل الله ، ثم انصرف الفريقان .
وقدم ابن إسحاق سرية حمزة

اسير الصحراء 04-26-2006 02:17 PM

سرية سعد بن أبي وقاص :

ثم بعث سعد بن أبي وقاص في ذي القعدة من تلك السنة إلى الخرار من أرض الحجاز ، يعترضون عيراً لقريش . وعهد إليه : أن لا يجاوز الخرار ، وكانوا عشرين . فخرجوا على أقدامهم يسيرون بالليل ، ويكمنون بالنهار ، حتى بلغوا الخرار ، فوجدوا العير قد مرت بالأمس .
ثم دخلت السنة الثانية .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:18 PM

غزوة الأبواء :

فغزا فيها بنفسه صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء ، وكانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . خرج في المهاجرين خاصة ، يعترض عيراً لقريش ، فلم يلق كيداً .
وفيها وادع بني ضمرة على أن لا يغزوهم ولا يغزوه ، ولا يعينوا عليه أحداً

اسير الصحراء 04-26-2006 02:18 PM

غزوة بواط :

ثم غزا بواطاً في ربيع الأول . خرج يعترض عيراً لقريش ، فيها أمية بن خلف ومائة رجل من المشركين ، فبلغ بواطاً-جبلاً من جبال جهينة- فرجع ولم يلق كيداً

اسير الصحراء 04-26-2006 02:18 PM

خروجه لطلب كرز بن جابر :

ثم خرج في طلب كرز بن جابر الفهري ، وقد أغار على سرح المدينة ، فاستاقه . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر . وفاته كرز

اسير الصحراء 04-26-2006 02:19 PM

غزوة العشيرة :

ثم خرج في جمادى الآخرة في مائة وخمسين من المهاجرين يعترضون عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام . وخرج في ثلاثين بعيراً يتعاقبونها ، فبلغ ذا العشيرة من ناحية ينبع . فوجد العير قد فاتته بأيام ، وهي التي خرجوا لها يوم بدر ، لما جاءت عائدة من الشام .
وفيها : وادع بني مدلج وحلفاءهم [من بني ضمرة] .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:19 PM

بعث عبد الله بن جحش :

ثم بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب في اثني عشر رجلاً من المهاجرين كل اثنين على بعير ، فوصلوا إلى نخلة، يرصدون عيراً لقريش . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب له كتاباً ، وأمره : أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، فلما فتح الكتاب إذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا ، فأمض حتى تننرل بنخلة بين مكة والطائف ، فترصد قريشاً ، وتعلم لنا أخبارها .
فأخبر أصحابه بذلك ، وأخبرهم أنه لا يستكرههم ، فقالوا : سمعاً وطاعة .
فلما كان في أثناء الطريق ، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرهما ، فتخلفا في طلبه ، ومضوا حتى نزلوا نخلة .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:20 PM

قتل عمرو بن الحضرمي :

فمرت بهم عير قريش تحمل زبيباً وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي ، فقتلوه ، وأسروا عثمان ونوفلاً ابني عبد الله بن المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة .
فقال المسلمون : نحن في آخر يوم من رجب ، فإن قاتلناهم : انتهكنا الشهر الحرام ، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم . ثم أجمعوا على ملاقاتهم ، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا عثمان والحكم ، وأفلت نوفل . ثم قدموا بالعير والأسيرين، حتى عزلوا من ذلك الخمس . فكان أول خمس في الإسلام ، وأول قتل في الإسلام ، وأول أسر ، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه .
واشتد إنكار قريش لذلك ، وزعموا : أنهم وجدوا مقالاً ، فقالوا : قد أحل محمد الشهر الحرام ، واشتد على المسلمين ذلك ، حتى أنزل الله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله " الآية ، يقول سبحانه : هذا الذي أنكرتموه -وإن كان كبيراً- فما ارتكبتموه وترتكبونه من الكفر بالله ، والصد عن سبيله وبيته ، وإخراج المسلمين منه : أكبر عند الله

اسير الصحراء 04-26-2006 02:20 PM

معنى الفتنة :

و الفتنة هنا الشرك ، كقوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، وقوله : " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " ، أي : لم تكن عاقبة شركهم ، وآخرة أمرهم : إلا أن أنكروه ، وتبرؤوا منه .
وحقيقتها : الشرك الذي يدعوا إليه صاحبه ، ويعاقب من لم يفتتن به ، لهذا قال تعالى : " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا " الآية ، فسرت بتعذيب المؤمنين وإحراقهم بالنار ، ليرجعوا عن دينهم .
وقد تأتي الفتنة ويراد بها : المعصية ، كقوله تعالى : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني " الآية ، وكفتنة الرجل في أهله وماله ، ووالده وجاره ، وكالفتن التي وقعت بين أهل الإسلام .
وأما التي يضيفها الله لنفسه ، فهي بمعنى الامتحان والابتلاء والاختبار .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:21 PM

وقعة بدر الكبرى ، يوم الفرقان :


فلما كان في رمضان : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان ، فيها أموال قريش . فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها ، فخرج مسرعاً في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان : فرس للزبير ، وفرس للمقداد بن الأسود ، وكان معهم سبعون بعيراً، يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، واستخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم .
فلما كان بالروحاء : رد أبا لبابة بن عبد المنذر ، واستعمله على المدينة .
ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية إلى علي ، وراية الأنصار إلى سعد بن معاذ .
ولما قرب من الصفراء ، بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار العير .
وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، وبعثه حثيثاً إلى مكة ، مستصرخاً قريشاً بالنفير إلى عيرهم ، فنهضوا مسرعين . ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب . فإنه عوض عنه رجلاً بجعل . وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب . ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يشهدها منهم أحد . وخرجوا من ديارهم ، كما قال تعالى : " بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " ، فجمعهم الله على غير ميعاد ، كما قال تعالى : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " .
ولما بلغ رسول الله خروج قريش ، استشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون ، فأحسنوا .
ثم استشارهم ثانياً ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا . ثم ثالثاً ، ففهمت الأنصار : أن رسول الله إنما يعنيهم ، فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله ! -وكان إنما يعنيهم ، لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم- وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم : أن لا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم . فأمض بنا حيث شئت ، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت . وأعطنا منها ما شئت ، وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت . فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك .
وقال المقداد بن الأسود : إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ، ولكن نقاتل من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك .
فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم ، "وقال : سيروا وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين. وإني قد رأيت مصارع القوم" .
وكره بعض الصحابة لقاء النفير ، وقالوا : لم نستعد لهم ، فهو قوله تعالى : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " إلى قوله : " ولو كره المجرمون " .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر .
وخفض أبو سفيان ، فلحق بساحل البحر . وكتب إلى قريش : أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ، فأتاهم الخبر ، فهموا بالرجوع ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدراً ، فنقيم بها ، نطعم من حضرنا ونسقي الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبداً وتخافنا .
فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع ، فلم يفعلوا . فرجع هو وبنو زهرة . فلم يزل الأخنس في بني زهرة مطاعاً بعدها .
وأرادت بنو هاشم الرجوع ، فقال أبو جهل : لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع ، فساروا ، إلا طالب بن أبي طالب ، فرجع .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر ، فقال الحباب بن المنذر: إن رأيت أن نسير إلى قلب -قد عرفناها- كثيرة الماء عذبة ، فننزل عليها . وتغور ما سواها من المياه ؟ وأنزل الله تلك الليلة مطراً واحداً ، صلب الرمل ، وثبت الأقدام ، وربط على قلوبهم .
ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده ، ويقول : هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان إن شاء الله ، فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم .
فلما طلع المشركون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها ، جاءت تحادك ، وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم أحنهم الغداة ، وقام ورفع يديه ، واستنصر ربه ، وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه . وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد، فالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه ، وقال : حسبك مناشدتك ربك ، يا رسول الله ! فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك . واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فأوحى الله إلى الملائكة : " أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " ، وأوحى الله إلى رسوله : " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " ، بكسر الدال وفتحها ، قيل : إردافاً لكم ، وقيل : يردف بعضهم بعضاً ، لم يجيئوا دفعة واحدة .
فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها ، وقلل الله المسلمين في أعينهم ، حتى قال أبو جهل -لما أشار عتبة بن ربيعة بالرجوع، خوفاً على قريش من التفرق والقطيعة ، إذا قتلوا أقاربهم- إن ذلك ليس به ولكنه -يعني عتبة- عرف أن محمداً وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه ، فقد تخوفكم عليه .
وقلل المشركين أيضاً في أعين المسلمين ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .
وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي -أخا عمرو بن الحضرمي- أن يطلب دم أخيه ، فصاح ، وكشف عن استه يصرخ : واعمراه ، واعمراه ، فحمي القوم . ونشبت الحرب .
وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ، ثم انصرف وغفا غفوة ، وأخذ المسلمين النعاس وأبو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسه ، وعنده سعد بن معاذ ، وجماعة من الأنصار على باب العريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، ويتلو هذه الآية : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " .
ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين ، فتناولوهم قتلاً وأسراً ، فقتلوا سبعين ، وأسروا سبعين .
وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة : يطلبون المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار ، فقالوا : أكفاء كرام ، ما لنا ما بكم من حاجة ، إنما نريد من بني عمنا . فبرز إليهم حمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقتل علي قرنه الوليد ، وقتل حمزة قرنه شيبة . واختلف عبيدة وعتبة ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه . فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه ، واحتملا عبيدة ، قد قطعت رجله ، فقال : لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أولى منه بقوله :
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ومات بالصفراء ، وفيهم نزلت : " هذان خصمان اختصموا في ربهم " الآية ، فكان علي رضي الله عنه يقول : "أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة" .
ولما عزمت قريش على الخروج : ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك، فقال: " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم " ، فلما تعبؤوا للقتال ، ورأى الملائكة : فر ونكص على عقبيه ، فقالوا : إلى أين يا سراقة !؟ فقال : " إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب " .
وظن المنافقون ، ومن في قلبه مرض : أن الغلبة بالكثرة ، فقالوا : " غر هؤلاء دينهم " ، فأخبر الله سبحانه : أن النصر إنما هو بالتوكل على الله وحده .
ولما دنا العدو : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظ الناس ، وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر ، وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله . فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن ، ثم قال : "لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة" ، فرمى بهن ، وقاتل حتى قتل ، فكان أول قتيل .
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه تراباً ، فرمى به في وجوه القوم. فلم تترك رجلاً إلا ملأت عينيه ، فهو قوله تعالى: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " .
واستفتح أبو جهل ، فقال : اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداة .
ولما وضع المسلمون أيديهم في العدو -يقتلون ويأسرون- وسعد بن معاذ واقف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من الأنصار في العريش -رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية ، فقال : كأنك تكره ما يصنع الناس ، قال : أجل والله يا رسول الله ! كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين ، وكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال .
ولما بردت الحرب ، وانهزم العدو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ ، فانطلق ابن مسعود ، فوجده قد ضربه معوذ وعوف -ابنا عفراء- حتى برد ، فأخذ بلحيته ، فقال : أنت أبو جهل ؟ فقال : لمن الدائرة اليوم ؟ قال : لله ورسوله ، ثم قال له : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وهل فوق رجل قتله قومه ؟ فاحتز رأسه عبد الله بن مسعود . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : قتلته ، آلله الذي لا إله إلا هو ؟ -ثلاثاً- ثم قال : "الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه ، فانطلقنا ، فأريته إياه ، فلما وقف عليه ، قال : هذا فرعون هذه الأمة" .
وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف ، وابنه علياً . فأبصره بلال -وكان أمية يعذبه بمكة- فقال : رأس الكفر أمية ؟ لا نجوت إن نجا . ثم استحمى جماعة من الأنصار ، واشتد عبد الرحمن بهما ، يحجزهما منهم ، فأدركوهم . فشغلهم عن أمية بابنه علي ، ففرغوا منه ، ثم لحقوهما ، فقال له عبد الرحمن : ابرك . فبرك ، وألقى عليه عبد الرحمن بنفسه . فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه ، وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن .
وكان أمية قد قال قبل ذاك : من المعلم في صدره بريش النعام ؟ فقال له : ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل .
وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب ، فلما أخذه وهزه : عاد في يده سيفاً طويلاً ، فلم يزل يقاتل به حتى قتل يوم الردة .
ولما انقضت الحرب : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى ، فقال : بئس عشيرة النبي كنتم ، كذبتموني ، وصدقني الناس . وخذلتموني ، ونصرني الناس . وأخرجتموني وآواني الناس .
ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب -قليب بدر- ثم وقف عليهم ، فقال : "يا عتبة بن ربيعة ! ويا شيبة بن ربيعة ! ويا فلانة ، ويا فلان : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فقال عمر : يا رسول الله ! ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال : ما أنت بأسمع لما أقول منهم [ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا]" .
ثم ارتحل مؤيداً منصوراً ، قرير العين ، معه الأسرى والمغانم .
فلما كان بالصفراء : قسم الغنائم ، وضرب عنق النضر بن الحارث .
ثم لما نزل بعرق الظبية ، ضرب عنق عقبة بن أبي معيط .
ثم دخل المدينة مؤيداً منصوراً ، قد خافه كل عدو له بالمدينة .
فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه في الإسلام .
وجملة من حضر بدراً : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، واستشهد منهم أربعة عشر رجلاً .
قال ابن إسحاق : كان أناس قد أسلموا ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسهم أهلهم بمكة ،
وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر ، فأصيبوا فأنزل الله فيهم :" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:21 PM

قسم غنائم بدر :

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغنائم فجمعت فاختلفوا ، فقال من جمعها : هي لنا . وقال من هزم العدو : لولانا ما أصبتموها . وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنتم بأحق بها منا ، قال عبادة بن الصامت : فنزعها الله من أيدينا ، فجعلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمها بين المسلمين ، وأنزل الله تعالى : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " الآيات .
وذكر ابن إسحاق عن نبيه بن وهب ، قال : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى على أصحابه ، وقال : استوصوا بالأسرى خيراً ، فكان أبو عزيز بن عمير عند رجل من الأنصار ، فقال له أخوه مصعب : شد يدك به ، فإن أخته ذات متاع . فقال أبو عزيز : يا أخي ! هذه وصيتك بي ؟ فقال مصعب : إنه أخي دونك ، قال أبو عزيز: وكنت مع رهط من الأنصار حين قفلوا ، فكانوا إذا قدموا طعاماً خصوني بالخبز ، وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما يقع في يد رجل منهم كسرة إلا نفحني بها ، قال : فأستحي فأردها على أحدهم ، فيردها علي ، ما يمسها

اسير الصحراء 04-26-2006 02:22 PM

أسارى بدر :

واسشتار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى ، وهم سبعون ، وكذلك القتلى سبعون أيضاً . فأشار الصديق : أن يؤخذ منهم فدية ، تكون لهم قوة ، ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام . فقال عمر : لا والله ، ما أرى ذلك ، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك ، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، فقال : إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين ، وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه ، حتى تكون أشد من الحجارة . وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ؟ إذ قال : " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، إذ قال : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم " ، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال: " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح ، قال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " ، ثم قال : أنتم اليوم عالة ، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء ، أو ضرب عنق ، فأنزل الله تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " الآيتين .
قال عمر : "فلما كان من الغد ، غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو قاعد -هو وأبو بكر- يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ! أخبرني ما يبكيك وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما . فقال : أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد : من أخذهم الفداء ، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة -لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم- وقال : لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر" .
وقال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم : نريد أن نترك لابن أختنا العباس فداءه ، فقال : لا تدعوا منه درهماً .
ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة

اسير الصحراء 04-26-2006 02:22 PM

غزوة بني قينقاع


فكانت فيها غزوة بني قينقاع ، وكانوا من يهود المدينة . فنقضوا العهد . فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، فنزلوا على حكمه ، فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، فأطلقهم له، وكانوا سبعمائة رجل ، وهم رهط عبد الله بن سلام .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:23 PM

غزوة أحد :

وفيها كانت وقعة أحد في شوال .
وذلك : أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر ، وترأس فيهم أبو سفيان ، لذهاب أكابرهم ، أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين . ويجمع الجموع ، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش ، والحلفاء والأحابيش . وجاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ، ثم أقبل بهم نحو المدينة ، فنزل قريباً من جبل أحد .
فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليهم ، وكان رأيه أن لا يخرجوا ، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك ، والنساء من فوق البيوت ، ووافقه عبد الله بن أبي -رأس المنافقين- على هذا الرأي ، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة -ممن فاته بدر- وأشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، وألحوا عليه . فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته ، وخرج عليهم ، فقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج . ثم قالوا : إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل ، فقال : ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه .
فخرج في ألف من أصحابه ، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا : رأى أن في سيفه ثلمة ، وأن بقراً تذبح . وأنه يدخل يده في درع حصينة . فتأول الثلمة : برجل يصاب من أهل بيته ، والبقر : بنفر من أصحابه يقتلون ، والدرع بالمدينة ، فخرج ، وقال لأصحابه : عليكم بتقوى الله ، والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو ، وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا .
فلما كان بالشوط -بين المدينة وأحد- انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر ، وقال : عصاني . وسمع من غيري ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا ، أيها الناس ؟ فرجع وتبعهم عبد الله بن عمرو -والد جابر- يحرضهم على الرجوع ، ويقول : قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم وسبهم .
وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى ، وقال : من يخرج بنا على القوم من كثب؟ .
فخرج به بعض الأنصار ، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين -وكان أعمى-، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ، ويقول : لا أحل لك أن تدخل في حائطي ، إن كنت رسول الله . فابتدروه ليقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر .
ونفذ حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي الدنيا ، وجعل ظهره إلى أحد ، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم .
فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال ، وهو في سبعمائة ، منهم خمسون فارساً ، واستعمل على الرماة -وكانوا خمسين- عبد الله بن جبير . وأمرهم : أن لا يفارقوا مركزهم ، ولو رأوا الطير تختطف العسكر ، وأمرهم : أن ينضحوا المشركين بالنبل ، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم .
وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين .
وأعطى اللواء مصعب بن عمير ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام ، وعلى الأخرى : المنذر بن عمرو . واستعرض الشباب يومئذ ، فرد من استصغر عن القتال -كابن عمر ، وأسامة بن زيد ، والبراء ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعرابة الأوسي- وأجاز من رآه مطيقاً .
وتعبأت قريش ، وهم ثلاثة آلاف . وفيهم مائتا فارس ، فجعلوا ميمنتهم : خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة : عكرمة بن أبي جهل .
ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة .
وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر -عبد عمرو بن صيفي- الفاسق ، وكان يسمى الراهب . وهو رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به ، وجاهر بالعداوة . فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم : بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ، فلما ناداهم ، وتعرف إليهم ، قالوا : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق ، فقال : لقد أصاب قومي بعدي شر . ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً ، ثم أرضخهم بالحجارة .
وأبلى يومئذ أبو دجانة، وطلحة، وحمزة، وعلي، والنضر بن أنس، وسعد بن الربيع بلاء حسناً .
وكانت الدولة أول النهار للمسلمين ، فانهزم أعداء الله ، وولوا مدبرين ، حتى انتهوا إلى نسائهم ، فلما رأى ذلك الرماة ، قالوا : الغنيمة ، الغنيمة ، فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يسمعوا ، فأخلوا الثغر ، وكر فرسان المشركين عليه ، فوجدوه خالياً ، فجاؤوا منه . وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة -وهم سبعون- وولى الصحابة .
وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجرحوه جراحات ، وكسروا رباعيته .
وقتل مصعب بن عمير بين يديه ، فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب . وأدركه المشركون يريدون قتله ، فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا ، ثم جالدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه ، وترس أبو دجانة عليه بظهره ، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك .
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده ، فكانت أحسن عينيه .
وصرخ الشيطان : إن محمداً قد قتل ، فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين .
فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل الناس ، ولقي سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد ! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، ووجد به سبعون جراحة .
وقتل وحشي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، رماه بحربة على طريقة الحبشة .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين ، فكان أول من عرفه تحت المغفر : كعب بن مالك ، فصاح بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ! هذا رسول الله ، فأشار إليه : أن اسكت ، فاجتمع إليه المسلمون ، ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه .
فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له ، كان يزعم بمكة : أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترقوته ، فكر منهزماً . فقال له المشركون : ما بك من بأس ، فقال : والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين ، فمات بسرف .
وحانت الصلاة ، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً .
وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان ، فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله ، وكان حنظلة جنباً ، فإنه حين سمع الصيحة وهو على بطن امرأته : قام من فوره إلى الجهاد ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تغسله .
وكان الأصيرم -عمرو بن ثابت بن وقش- يأبى الإسلام ، وهو من بني عبد الأشهل ، فلما كان يوم أحد: قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له . فأسلم وأخذ سيفه ، فقاتل ، حتى أثبتته الجراح ، ولم يعلم أحد بأمره . فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم ، وجدوا الأصيرم -وبه رمق يسير ، فقالوا : والله إن هذا الأصيرم ، ثم سألوه : ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال : بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ، ومات من وقته . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو من أهل الجنة، ولم يصل لله سجدة قط .
"ولما انقضت الحرب : أشرف أبو سفيان على الجبل ، ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه . فقال : أفيكم ابن الخطاب ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال : يا عدو الله ! إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك منهم ما يسوءك ، ثم قال : اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟، قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل، ثم قال : لنا العزى ، ولا عزى لكم ، قال : ألا تجيبوه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم ، ثم قال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، فقال عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار" .
وأنزل الله عليهم النعاس في بدر وفي أحد ، والنعاس في الحرب من الله ، وفي الصلاة ومجالس الذكر : من الشيطان .
وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي الصحيحين عن سعد ، قال : "رأيت رسول الله يوم أحد ، ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض ، كأشد القتال ، وما رأيتهما قبل ولا بعد" .
ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار -وهو يتشحط في دمه- فقال : يا فلان ! أشعرت أن محمداً قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية .
وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله عز وجل به المؤمنين ، وأظهر به المنافقين ، وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة ، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد : إحدى وستون آية من آل عمران ، أولها : " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " الآيات .
ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم ، وقالوا : لم تصنعوا شيئاً ، أصبتم شوكتهم ، ثم تركتموه ، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم .
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنادى في الناس بالمسير إليهم ، وقال : لا يخرج معنا إلا من شهد القتال ، فقال له ابن أبي : أركب معك ؟ قال : لا .
فاستجاب له المسلمون -على ما بهم من القرح الشديد- وقالوا : سمعاً وطاعة .
وقال جابر : يا رسول الله ! إني أحب أن لا تشهد مشهداً إلا كنت معك ، وإنما خلفني أبي على بناته ، فائذن لي أن أسير معك . فأذن له .
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، حتى بلغوا حمراء الأسد ، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه، فرجعوا إلى مكة. وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطاً على أنه إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : أن يخوفهم ، ويذكر لهم : أن قريشاً أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم ، فلما بلغهم ذلك قالوا : " حسبنا الله ونعم الوكيل " .
ثم دخلت السنة الرابعة .
فكانت فيها وقعة خبيب وأصحابه ، في صفر

اسير الصحراء 04-26-2006 02:24 PM

وقعة بئر معونة :
وفي هذا الشهر بعينه من السنة المذكورة : كانت وقعة أهل بئر معونة .
وفي شهر ربيع الأول : كانت غزوة بني النضير ، ونزل فيها سورة الحشر .
ثم دخلت السنة الخامسة

اسير الصحراء 04-26-2006 02:24 PM

غزوة المريسيع :
فكانت فيها غزوة المريسيع على بني المصطلق ، فأغار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم غارون . فسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، والنعم ، والشاء .
وكان من جملة السبي : جويرية بنت الحارث ، سيد القوم ، وقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزوج - مائة أهل بيت من بني المصطلق . وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:25 PM

قصة الإفك :
وفي هذه الغزوة : كانت قصة الإفك .
وذلك : أن عائشة رضي الله عنها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بقرعة -وتلك كانت عادته مع نسائه- فلما رجعوا نزل في طريقهم بعض المنازل ، فخرجت عائشة لحاجتها ، ثم رجعت . ففقدت عقدا عليها . فرجعت تلتمسه ، فجاء الذين يرحلون هودجها ، فحملوه ، وهم يظنونها فيه ، لأنها صغيرة السن ، فرجعت -وقد أصابت العقد- إلى مكانهم ، فإذا ليس به داع ولا مجيب ، فقعدت في المنزل ، وظنت أنهم يفقدونها ، ويرجعون إليها . فغلبتها عيناها ، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش ، لأنه كان كثير النوم . فلما رآها عرفها وكان يراها قبل الحجاب -فاسترجع ، وأناخ راحلته ، فركبت ، وما كلمها كلمة واحدة . ولم تسمع منه إلا استرجاعه . ثم سار يقود بها ، حتى قدم بها . وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة ، فلما رأى ذلك الناس : تكلم كل منهم بشاكلته. ووجد رأس المنافقين ، عدو الله عبد الله بن أبي متنفساً . فتنفس من كرب النفاق والحسد ، فجعل يستحكي الإفك ، ويجمعه ويفرقه ، وكان أصحابه يتقربون إليه به .
فلما قدموا المدينة : أفاض أهل الإفك في الحديث ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم ، ثم استشار في فراقها ، فأشار عليه علي بفراقها ، وأشار عليه أسامة بإمساكها .
واقتضى تمام الابتلاء : أن حبس الله عن رسوله الوحي شهراً في شأنها . ليزداد المؤمنون إيماناً ، وثباتاً على العدل والصدق ، ويزداد المنافقون إفكاً ونفاقاً ، ولتتم العبودية المرادة من الصديقة وأبويها ، وتتم نعمة الله عليهم ولينقطع رجاؤها من المخلوق ، وتيأس من حصول النصر والفرج إلا من الله .
فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندها أبواها ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا عائشة ، إن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب ، تاب الله عليه .
قالت لأبيها : أجب عني رسول الله ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله . فقالت لأمها مثل ذلك ، وقالت أمها مثل ذلك .
قالت : فقلت : إن قلت إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني ، ولا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف ، حيث قال : " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " .
قالت : فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما أنا فعلمت أن الله لا يقول إلا الحق . وأما أبواي : فوالذي ذهب بأنفاسهما ، ما أقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خفت أن أرواحهما ستخرجان ، فكان أول كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما الله يا عائشة ! فقد برأك .
فقال أبوي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله .
وكان حسان رضي الله عنه ممن قيل عنه : إنه يتكلم مع أهل الإفك ، فقال يعتذر إلى عائشة ، ويمدحها :
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطل
لئن كان ما قد قيل عني قلته فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف؟ وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل
وكانت عائشة لا ترضى أن يذكر حسان بشئ يكرهه ، وتقول : إنه الذي يقول :
فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
فأنزل الله تعالى في هذه القصة أول سورة النور من قوله : " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم " إلى آخر القصة .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:25 PM

غزوة الأحزاب :
وفي هذه السنة -وهي سنة خمس- كانت وقعة الخندق في شوال .
وسببها : أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين يوم أحد ، خرج أشرافهم -كسلام بن أبي الحقيق- وغيره إلى قريش بمكة ، يحرضوهم على غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووعدهم من أنفسهم النصر لهم ، فأجابتهم قريش . ثم خرجوا إلى غطفان، فاستجابوا لهم ، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك ، فاستجاب لهم من استجاب .
فخرجت قريش -وقائدهم أبو سفيان- في أربعة آلاف ، ووافقهم بنو سليم بمر الظهران ، وبنو أسد ، وفزارة ، وأشجع وغيرهم . وكان من وافى الخندق من المشركين : عشرة آلاف .
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم إليه : استشار أصحابه ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبادر إليه المسلمون . وعمل فيه بنفسه ، وكان في حفره من آيات نبوته ما قد تواتر الخبر به .
وخرج صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون في غداة باردة ، فلما رأى ما بهم من الشدة والجوع ، قال :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له :
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فتحصن بالجبل من خلفه -جبل سلع- وبالخندق أمامه ، وأمر بالنساء والذراري ، فجعلوا في آطام المدينة [واستخلف عليها ابن أم مكتوم] .
وانطلق حيي بن أخطب إلى بني قريظة ، فدنا من حصنهم ، فأبى كعب بن أسد أن يفتح له ، فلم يزل يكتمه حتى فتح له . فلما دخل الحصن ، قال : جئتك بعز الدهر ، جئتك بقريش وغطفان وأسد ، على قاداتها لحرب محمد . قال كعب : بل جئتني والله بذل الدهر ، وجئتني بجهام قد أراق ماءه ، فهو يرعد ويبرق ، وليس فيه شئ . فلم يزل به حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مع المشركين . وسر بذلك المشركون ، وشرط كعب على حيي : أنهم إن لم يظفروا بمحمد ، أن يجيء حتى يدخل معهم في حصنهم ، فيصيبه ما يصيبهم فشرط ذلك ووفى له .
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فبعث إليهم السعدين -سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة- وخوات بن جبير ، وعبد الله بن رواحة ، ليتعرفوا الخبر .
فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون ، وجاهروهم بالسب ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فانصرفوا ولحنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحناً ، فعظم ذلك على المسلمين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، أبشروا ، يا معشر المسلمين .
واشتد البلاء، ونجم النفاق ، واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة ، وقالوا : " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا " .
وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً ، ولم يكن بينهم قتال ، لأجل الخندق ، إلا أن فوارس من قريش -منهم عمرو بن عبد ود- أقبلوا نحو الخندق . فلما وقفوا عليه قالوا : إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها ، ثم تيمموا مكاناً ضيقاً منه ، وجالت بهم خيلهم في السبخة ، ودعوا إلى البراز ، فانتدب لعمرو : علي بن أبي طالب ، فبارزه فقتله الله على يدي علي . وكان من أبطال المشركين ، وانهزم أصحابه .
ولما طالت هذه الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح عيينة بن حصن ، والحارث بن عوف -رئيسي غطفان- على ثلث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما ، وجرت المفاوضة على ذلك . واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين ، فقالا: إن كان الله أمرك ، فسمعاً وطاعة . وإن كان شيئاً تصنعه لنا، فلا. لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك، وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة ، إلا قرى أو بيعاً . أفحين أكرمنا الله بالإسلام ، وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف . فصوب رأيهما ، وقال : إنما هو شئ أصنعه لكم ، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة .
ثم إن الله عز وجل -وله الحمد- صنع أمراً من عنده خذل به العدو. فمن ذلك . أن رجلاً من غطفان -يقال له : نعيم بن مسعود- جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد أسلمت ، فمرني بما شئت . فقال : إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة .
فذهب إلى بني قريظة -وكان عشيراً لهم- فدخل عليهم ، ولا هم يعلمون بإسلامه ، فقال : إنكم قد حاربتم محمداً ، وإن قريشاً إن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلا انشمروا [إلى بلادهم راجعين ، وتركوكم ومحمداً، فانتقم منكم] ، قالوا : فما العمل ؟ قال : لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . فقالوا : قد أشرت بالرأي . ثم مضى إلى قريش فقال : هل تعلمون ودي لكم ونصحي ؟ قالوا : نعم، قال : إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم ، وإنهم قد أرسلوا إلى محمد أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ، ثم يمالئونه عليكم ، فإن سألوكم فلا تعطوهم ، ثم ذهب إلى غطفان ، فقال لهم مثل ذلك .
فلما كانت ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود : إنا لسنا معكم بأرض مقام ، وقد هلك الكراع والخف . فأغدوا بنا إلى محمد حتى نناجزه . فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه . ومع هذا فلا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن . فلما جاءتهم رسلهم قالوا : قد صدقكم والله نعيم ، فبعثوا إليهم . إنا والله لا نبعث إليكم أحداً . فقالت قريظة : قد صدقكم والله نعيم ، فتخاذل الفريقان .
وأرسل الله على المشركين جنداً من الريح ، فجعلت تقوض خيامهم ، ولا تدع لهم قدراً إلا كفأتها ، ولا طنباً إلا قلعته ، وجنداً من الملائكة يزلزلون بهم ، ويلقون في قلوبهم الرعب ، كما قال الله : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها " .
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم ، فوجدهم على هذه الحال ، وقد تهيئوا للرحيل ، فرجع إليه ، فأخبره برحيلهم .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق ، راجعاً والمسلمون إلى المدينة ، فوضعوا السلاح . فجاءه جبريل ، وقت الظهر ، فقال : أقد وضعتم السلاح ؟ إن الملائكة لم تضع بعد أسلحتها ، انهض إلى هؤلاء -يعني بني قريظة- فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .
فخرج المسلمون سراعاً ، حتى إذا دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ، قال : يا إخوان القردة ، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته .
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فقال لهم رئيسهم كعب بن أسد : إني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً ، خذوا أيها شئتم : نصدق هذا الرجل ونتبعه ، فإنكم تعلمون : أنه للنبي الذي تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة . قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً . قالوا : فاقتلوا أبناءكم ونساءكم واخرجوا إليه مصلتي سيوفكم حتى يحكم الله بينكم وبينه . قالوا : فما ضر العيش بعد أبنائنا ونسائنا ؟ قال : فانزلوا الليلة، فعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوكم فيها لأنها ليلة السبت -لعلنا نصيب منهم غرة ، قالوا : لا نفسد سبتنا ، وقد علمت ما أصاب من اعتدوا في السبت . قال : ما بات رجل منكم -منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازماً . ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم : أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى النساء والذراري .
وأنزل الله في غزوة الخندق صدر سورة الأحزاب ، وذكر قصتهم في قوله : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم " إلى قوله: " وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم " .
ثم دخلت السنة السادسة .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:27 PM

صلح الحديبية :
وفيها كانت وقعة الحديبية ، وعدة الصحابة إذ ذاك ألف وأربعمائة ، وهم أهل الشجرة ، وأهل بيعة الرضوان .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم معتمراً، لا يريد قتالاً. فلما كانوا بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي، وأشعره ، وأحرم بالعمرة وبعث عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش ، حتى إذا كان قريباً من عسفان أتاه عينه ، قال : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا جموعاً ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت .
حتى إذا كان ببعض الطريق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد بن الوليد بالغميم ، فخذوا ذات اليمين .
فما شعر بهم خالد ، حتى إذا هو بغبرة الجيش ، فانطلق يركض نذيراً .
وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان في ثنية المرار ، التي يهبط عليهم منها بركت راحلته ، فقال الناس : حل ، حل ، فقالوا : خلأت القصواء، فقال : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده ! لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به ، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء . فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إليه . فانتزع سهماً من كنانته ، وأمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه .
وفزعت قريش لنزوله ، فأحب أن يبعث إليهم رجلاً ، فدعا عمر ، فقال : يا رسول الله ! ليس لي بمكة أحد من بني عدي بن كعب يغضب لي إن أوذيت ، فأرسل عثمان ، فإن عشيرته بها ، وإنه يبلغ ما أردت . فدعاه فأرسله إلى قريش ، وقال : أخبرهم : أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام ، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان .
فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فقالوا : إلى أين ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً . قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ إلى حاجتك .
وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص ، فرحب به ، وحمله على الفرس وأردفه أبان حتى جاء مكة .
وقال المسلمون ، قبل أن يرجع : خلص عثمان من بيننا إلى البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون، قالوا : وما يمنعه يا رسول الله ، وقد خلص ؟ قال : ذلك ظني به : أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه .
واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح ، فرمى رجل من أحد الفريقين رجلاً من الفريق الآخر ، فكانت معاركة . وتراموا بالنبل والحجارة ، وصاح الفريقان وارتهن كل منهما من فيهم .
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعه ، فتبادروا إليه ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، فأخذ بيد نفسه ، وقال : هذه عن عثمان .
ولما تمت البيعة رجع عثمان ، فقالوا له : اشتفيت من الطواف بالبيت ، فقال : بئسما ظننتم بي ، والذي نفسي بيده لو مكث بها سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف، ولقد دعتني قريش إلى الطواف فأبيت. فقال المسلمون: رسول الله أعلم بالله ، وأحسننا ظناً .
وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة ، وهو تحت الشجرة ، فبايعه المسلمون كلهم ، لم يتخلف إلا الجد بن قيس .
وكان معقل بن يسار آخذ بغصنها يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان أول من بايعه : أبو سنان وهب بن محصن الأسدي .
وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات : في أول الناس ، ووسطهم وآخرهم .
فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة -وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة - فقال : إني تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت . فقال : إنا لم نجىء لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين . وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم . فإن شاؤوا ماددتهم ، ويخلوا بيني وبين الناس . فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال ، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره . قال بديل : سأبلغهم ما تقول . فانطلق حتى أتى قريشاً، فقال : إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولاً ، فإن شئتم عرضته عليكم . فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشئ . وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول . قال : سمعته يقول : كذا وكذا .
فقال عروة بن مسعود : إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها ودعوني آته . فقالوا : ائته . فأتاه ، فجعل يكلمه . فقال له نحواً من قوله لبديل . فقال عروة : أي محمد! أرأيت لو استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، فوالله إني لأرى أوشاباً من الناس ، خليقاً أن يفروا ويدعوك . فقال أبو بكر : امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال عروة : من ذا يا محمد !؟ قال : أبو بكر .
قال : أما والذي نفسي بيده ، لولا يد كانت لك عندي -لم أجزك بها- لأجبتك . وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويرمق
أصحابه . فوالله ما انتخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم . فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له . فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى ، وقيصر والنجاشي- والله إن رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده . ثم أخبرهم بجميع ما تقدم، ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .
فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته ، فقالوا: ائته . فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها له، ففعلوا . واستقبله القوم يلبون ، فلما رأى ذلك، قال : سبحان الله ! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم .
فبينا هم كذلك إذ جاء سهيل بن عمرو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم ، فقال : هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فدعا الكاتب -وهو علي بن أبي طالب- فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن ، فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اكتب : باسمك اللهم ، ثم قال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال : إني رسول الله ، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ، فقال سهيل : والله لا تحدث العرب أننا أخذنا ضغطة ، ولكن ذاك من العام المقبل ، فكتب . فقال سهيل : وعلى أن لا يأتيك رجل منا ، وإن كان على دينك ، إلا رددته إلينا، فقال المسلمون : سبحان الله ! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً ؟ .
فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي، قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر المسلمين ! كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً- قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : إني رسول الله ، وهو ناصري ، ولست أعصيه . قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت ، ونطوف به . قال : بلى ، أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق، فعملت لذلك أعمالاً .
فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاء نسوة مؤمنات ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " حتى بلغ : " بعصم الكوافر "، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم : أنزل الله سورة الفتح : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " الآية ، فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله : " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " الآيتين إلى قوله : " فوزا عظيما " . ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير -رجل من قريش- مسلماً ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم . فقال أبو بصير لأحدهما: إني أرى سيفك هذا جيداً. فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال : أرني أنظر إليه ، فأمكنه به ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر ، حتى بلغ المدينة ، فدخل المسجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إليه ، قال : قتل والله صاحبي، وإني لمقتول . فجاء أبو بصير ، فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل ، فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم عصابة . فوالله ما يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ، فمن أتاه منهم فهو آمن

اسير الصحراء 04-26-2006 02:27 PM

غزوة خيبر :

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، مكث عشرين يوماً ، أو قريباً منها . ثم خرج إلى خيبر ، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وقدم أبو هريرة حينئذ المدينة مسلماً ، فوافى سباعاً في صلاة الصبح ، فسمعه يقرأ: " ويل للمطففين " ، فقال -وهو في الصلاة- : ويل لأبي فلان ، له مكيالان ، إذا اكتال اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالناقص .
وقال سلمة بن الأكوع : خرجنا إلى خيبر ، فقال رجل لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنياتك ؟ فنزل يحدو ويقول :
لاهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
فقال صلى الله عليه وسلم : من هذا السائق ؟، قالوا : عامر بن الأكوع . قال : رحمه الله ، فقال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله ، لولا متعتنا به ؟ قال : فأتينا خيبر. فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ، فلما تصافوا خرج مرحب يخطر بسيفه، ويقول :
قد علمت خيبر: أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فنزل إليه عامر ، وهو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه ، فذهب عامر يسفل له -وكان سيفه قصيراً- فرجع إليه سيف فأصاب ركبته فمات . قال سلمة: فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم : زعموا أن عامراً حبط عمله ، فقال : كذب من قال ذلك، إن له أجرين -وجمع بين إصبعيه- إنه لجاهد مجاهد ، قل عربي مشى بها مثله .
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قال : "قفوا، فوقف الجيش . فقال : اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين . فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها. ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، أقدموا باسم الله" .
فأسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريباً من عشرين ليلة، وكانت أرضاً وخمة شديدة الحر، فجهد المسلمون جهداً شديداً. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، فوعظهم وحضهم على الجهاد ، وكان فيهم عبد أسود . فقال : يا رسول الله ! إني رجل أسود اللون ، قبيح الوجه ، منتن الريح ، لا مال لي . فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال : نعم، فتقدم . فقاتل حتى قتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه : "لقد أحسن الله وجهك ، وطيب ريحك ، وكثر مالك، ثم قال : لقد رأيت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبته عنه ، وتدخلان فيما بين جلده وجبته" .
فافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ، ثم تحول إلى الكتيبة ، والوطيح ، والسلالم ، فإن خيبر كان جانبين : الأول الشق والنطاة ، الذي افتتح أولاً . والثاني : ما ذكرنا .
فحاصرهم حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه الصلح . ونزل إليه سلام بن أبي الحقيق فصالحهم على حقن الدماء وعلى الذرية ، ويخرجون من خيبر ، ويخلون ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة ، إلا ثوباً على ظهر إنسان .
فلما أراد أن يجليهم ، قالوا : نحن أعلم بهذه الأرض منكم ، فدعنا نكون فيها . فأعطاهم أياها ، على شطر ما يخرج من ثمرها وزرعها .
ثم قسمها على ستة وثلاثين سهماً، كل سهم مائة سهم . فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم . نصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينزل به من أمور المسلمين . والنصف الآخر : قسمة بين المسلمين

اسير الصحراء 04-26-2006 02:28 PM

قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة :

وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، ومعهم الأشعريون : أبو موسى ، وأصحابه .
قال أبو موسى : بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن باليمن . فخرجنا مهاجرين إليه -أنا وأخوان لي- في بضع وخمسين رجلاً من قومي ، . فركبنا سفينة ، فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا . فأقمنا حتى قدمنا فتح خيبر . وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة ، فدخلت أسماء بنت عميس على حفصة ، فدخل عليها عمر وعندها أسماء ، فقال : من هذه ؟ قالت : أسماء، قال : الحبشية هذه؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء : نعم ، قال : سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله منكم . فغضبت ، وقالت : كلا والله ، لقد كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم . وكنا في أرض البعداء البغضاء . وذلك في ذات الله ورسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاماً ، ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك . فقال : ما قلت له؟ قالت : قلت له كذا وكذا . قال : "ليس بأحق بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم -يا أهل السفينة- هجرتان" .
فكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتونها أرسالاً ، يسألونها عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شئ هم به أفرح ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:28 PM

محاصرة رسول الله بعض اليهود بوادي القرى :
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى . وكان به جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب .
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي ، وهم على غير تعبئة . فقتل مدعم -عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان رفاعة بن زيد الجذامي وهبه لرسول صلى الله عليه وسلم- فقال الناس : هينئاً له الجنة . "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا ، والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم : لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس ، جاء رجل بشراك أو شراكين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار ، أو شراكان من نار" .
فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا ، وبرز رجل منهم ، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله . حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، فقاتلهم حتى أمسوا . ثم غدا عليهم ، فلم ترتفع الشمس قدر رمح حتى افتتحها عنوة . وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً ، فقسمه في أصحابه ، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها .
ولما رجع إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل ، قالت عائشة رضي الله عنها : لما فتحت خيبر قلنا . الآن نشبع من التمر

اسير الصحراء 04-26-2006 02:29 PM

بعث سرية إلى الحرقات :
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحرقات من جهينة ، فلما دنوا منهم . بعث الأمير الطلائع ، فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى دنا منهم ليلاً ، وقد هدأوا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وأن تطيعوني ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري، فإنه لا رأي لمن لا يطاع ثم رتبهم . فقال : يا فلان أنت وفلان، يا فلان أنت وفلان، لا يفارق كل منكم صاحبه وزميله ، وإياكم أن يرجع أحد منكم ، فأقول : أين صاحبك ؟ فيقول : لا أدري ، فإذا كبرت فكبروا ، وجردوا السيوف . ثم كبروا وحملوا حملة واحدة وأحاطوا بالقوم ، وأخذتهم سيوف الله .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:29 PM

عمرة القضية :

فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الحجف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب -السيوف- وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها ، فجعلت أمرها إلى العباس فزوجه إياها .
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ، ليرى المشركون قوتهم-وكان يكايدهم بكل ما استطاع - فوقف أهل مكة -الرجال والنساء والصبيان- ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة ، آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله
بأن خير القتل في سبيله يارب إني مؤمن بقيله
إني رأيت الحق في قبوله اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
فأقام بمكة ثلاثة ، ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى ، فصاح حويطب : نناشدك الله والعقد، لما خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل .
ثم دخلت السنة الثامنة .

اسير الصحراء 04-26-2006 02:29 PM

غزوة مؤتة :

وسببها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم -أو بصرى- فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني. فقتله -ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيره- فاشتد ذلك عليه . فبعث البعوث، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال : إن أصيب زيد : فجعفر بن أبي طالب على الناس ، وإن أصيب جعفر : فعبد الله بن رواحة .
فتجهزوا ، وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلموا عليه فبكى عبد الله بن رواحة ، فقالوا : ما يبكيك ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله ، يذكر فيها النار : " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا " ، ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود؟ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين . فقال ابن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا!
حتى يقال إذا مروا على جدثي: ياأرشد الله من غاز وقد رشدا
ثم مضوا حتى نزلوا معان . فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه من لخم وجذام وبلي وغيرهم مائة ألف .
فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله فنخبره . فإما أن يمدنا، وإما أن يأمرنا بأمره . فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال : والله إن الذي تكرهون للذي خرجت تطلبون : الشهادة . وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحسنيين : إما ظفر ، وإما شهادة .
فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع . فانحاز المسلمون إلى مؤتة، ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد، فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم . فأخذها جعفر فقاتل بها، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه ، فأخذ الراية بيساره ، فقطعت يساره ، فاحتضن الراية حتى قتل ، وله ثلاث وثلاثون سنة ، رضي الله عنهم .
ثم أخذها عبد الله بن رواحة ، فتقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويقول :
أقسم بالله لتنزلنه لتننزلن أو لتكـرهنه
ياطالما قد كنت مطمئنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه
ما لي أراك تكرهين الجنة؟
ويقول أيضاً :
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وماتمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
ثم نزل ، فأتاه فناداه ابن عم له بعرق من لحم ، فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذها فانتهس منها نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ؟ فألقاها من يده وتقدم ، فقاتل حتى قتل .
ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ، فدافع القوم وخاشى بهم ، ثم انحازوا ، وانصرف الناس .
وقال ابن عمر : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبه ، وما أقبل منه : تسعين جراحة .
وقال زيد بن أرقم : كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله ، فوالله إنه ليسير ذات ليلة، إذ سمعته وهو ينشد شعراً :
إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فانعمي وخلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مستنهي الثواء
وردك كل ذي نسب قريب إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها روائي
قال : فبكيت ، فخفقني بالسوط وقال : ما عليك يا لكع ، أن يرزقني الله الشهادة ، وترجع بين شعبتي الرحل

اسير الصحراء 04-26-2006 07:44 PM

غزوة الفتح الأعظم :

وكانت سنة ثمان في رمضان .
وسببها : أن بكراً أعدت على خزاعة على مائهم الوتير فبيتوهم ، وقتلوا منهم . وكان في صلح الحديبية: أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فعل، فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلاً بماء ، يقال له : الوتير ، قريباً من مكة . وأعانت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم بعضهم مستخفياً ليلاً ، حتى لجأت خزاعة إلى الحرم .
فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لنوفل بن معاوية الديلي -وكان يومئذ قائدهم- يا نوفل ! إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك . فقال كلمة عظيمة : لا إله له اليوم ، يا بني بكر ! أصيبوا ثأركم. فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم . أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه ، وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه ؟ فقال :
يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتمو ولداً وكنا والدا ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا
فأنصر هداك الله نصراً أبداً وأدع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا أبيض مثل البدر يسمو صعدا
إن سيم خسفاً وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقـل عـددا هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم .
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، بعثته قريش ، وقد رهبوا للذي صنعوا .
ثم قدم أبو سفيان ، فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ، فقال : يا بنية ، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت مشرك نجس . فقال : والله لقد أصابك بعدي شر .
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً . ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه في أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر ، فقال : أنا أشفع لكم ؟ والله لو لم أجد إلا الذر ، لجاهدتكم به. ثم دخل على علي ، وعنده فاطمة -والحسن غلام يدب بين يديها- فقال : يا علي ! إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني جئت في حاجة ، فلا أرجعن خائباً ، اشفع لي إلى محمد ؟ فقال : قد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ، ما نستطيع أن نكلمه فيه . فقال لفاطمة : هل لك أن تأمري ابنك هذا ، فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ فقالت : ما يبلغ ابني ذلك ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا أبا الحسن ، إني رأيت الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني. قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك . ولكنك سيد بني كنانة، فقم وأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك. فقال : أو ترى ذلك مغنياً عني شيئا؟ قال : لا، والله ما أظنه ، ولكن ما أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : يا أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره . وانصرف عائداً إلى مكة ، فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً. ثم جئت عمر بن الخطاب ، فوجدته أدنى العدو -يعني :أعدى العدو- ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بكذا وكذا ، ففعلت . قالوا : فهل أجاز ذلك محمد؟ قال : لا، قالوا : ويلك ، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها .
فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتاباً ، يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفعه إلى سارة -مولاة لبني عبد المطلب- فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير إلى المرأة ، فأدركاها بـ روضة خاخ . فأنكرت ، ففتشا رحلها ، فلم يجدا فيه شيئاً ، فهدداها ، فأخرجته من قرون رأسها، فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا حاطباً ؟ فقال : ما هذا يا حاطب؟ فقال : لا تعجل علي يا رسول الله ! والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما ارتددت ولا بدلت ، ولكني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ، لست من أنفسهم ، ولي فيها أهل وعشيرة وولد ، وليس فيهم قرابة يحمونهم ، وكان من معك لهم قرابات يحمونهم ، فأحببت أن أتخذ عندهم يداً ، قد علمت أن الله مظهر رسوله ، ومتم له أمره .
فقال عمر: يا رسول الله ! دعني أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله ، وقد نافق ، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه شهد بدراً وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله أطلع على أهل بدر ، فقال : أعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم"، فذرفت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمى الله الأخبار عن قريش ، لكنهم على وجل ، فكان أبو سفيان يتجسس ، هو وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء .
وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلماً مهاجراً ، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران نزل عشاء ، فأمر الجيش فأوقدوا النيران . فأوقد أكثر من عشرة آلاف نار ، فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج يلتمس ، لعله يجد بعض الحطابة ، أو أحداً يخبر قريشاً ، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها عنوة . قال : فوالله إني لأسير عليها، إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل ، يتراجعان ، يقول أبو سفيان : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً . قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة، حمشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها . فقلت : أبا حنظلة !؟ فعرف صوتي ، فقال : أبا الفضل !؟ قلت : نعم ، قال : ما لك ، فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة ، حتى آتيه بك ، فأستأمنه لك . فركب خلفي ، ورجع صاحباه ، فجئت به ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا . من هذا ؟ فإذا رأونا قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته ، حتى مررت بنار عمر ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان ، قال : عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد .
ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركضت البغلة فسبقته ، واقتحمت عنها ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر . فقال : يا رسول الله ! هذا أبو سفيان ، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله ! إني قد أجرته . فلما أكثر عمر ، قال : مهلاً يا عمر ، فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . قال : مهلاً يا عباس ! فوالله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فائتني به. ففعلت . ثم غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم : أن لا إله إلا الله ؟، قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك!! والله لقد ظننت أن لو كان بالله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد . قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم : أني رسول الله ؟، قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . أما هذه ففي النفس حتى الآن منها شئ . فقال له العباس : ويحك . أسلم قبل أن يضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم . فقال العباس : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً . قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن . فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ! أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها، قال : فخرجت حتى حبسته . ومرت القبائل على راياتها ، حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء -لكثرة الحديد وظهوره فيها- فيها المهاجرون والأنصار- لا يرى منهم إلا الحدق ، فقال : سبحان الله ! يا عباس ! من هؤلاء ؟ قلت : هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار ، قال : ما لأحد بهؤلاء طاقة .
وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة ، فلما مر بأبي سفيان ، قال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة . اليوم أذل الله قريشاً . فذكره أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كذب سعد . ولكن هذا اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم أعز الله قريشاً ، ثم نزع اللواء من سعد، ودفعه إلى قيس ابنه . ومضى أبو سفيان ، فلما جاء قريشاً صرخ بأعلى صوته : هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ؟ فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة من أعلاها ، وأمر خالد بن الوليد، فدخلها من أسفلها ، وقال :إن عرض لكم أحد من قريش فأحصدوهم حصداً ، حتى توافوني على الصفا، فما عرض لهم أحد إلا أناموه . وتجمع سفهاء قريش مع عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، بالخندمة ليقاتلوا ، وكان حماس بن قيس يعد سلاحاً قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت له امرأته : والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شئ ، فقال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :
إن يقبلوا اليوم فما لي عله هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السله
ثم شهد الخندمة ، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد : ناوشوهم شيئاً من قتال ، فأصيب من المشركين اثني عشر، ثم انهزموا ، فدخل حماس على امرأته ، فقال : أغلقي علي بابي ، فقالت : وأين ما كنت تقول ؟ فقال :
إنك لو شهدت يوم الخندمه إذ فر صفوان وفر عكرمه
وأبو يزيد قائم كالمؤتمه واستقبلتنا بالسيوف المسلمه
يقطعن كل ساعد وجمجمه ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمه لم تنطفي باللوم أدنى كلمه
وقال أبو هريرة : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر . فأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته. وقد وبشت قريش أوباشها ، وقالوا : نقدم هؤلاء ، فإذا كان لهم شئ كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة، فقلت : لبيك يا رسول الله ! قال :اهتف لي بالأنصار ، ولا يأتيني إلا أنصاري ، فهتفت بهم ، فجاؤوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ؟ -ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى- أحصدوهم حصداً ، حتى توافوني على الصفا. قال أبو هريرة : فانطلقنا ، فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتل .
وركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح . ثم نهض والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله ، حتى دخل المسجد . فأقبل إلى الحجر فاستلمه ، ثم طاف بالبيت ، وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بالقوس ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ، " جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " ، والأصنام تتساقط على وجوهها .
وكان طوافه على راحلته ، ولم يكن محرماً يومئذ ، فاقتصر على الطواف ، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت ، فدخلها . فرأى فيها الصور ، ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام . فقال :قاتلهم الله، والله إن استقسما بها قط ، وأمر بالصور فمحيت .
ثم أغلق عليه الباب ، هو وأسامة ، وبلال ، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب ، حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك . ثم دار في البيت . وكبر في نواحيه ، ووحد الله . ثم فتح الباب ، وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ، ينظرون ماذا يصنع بهم ؟ فأخذ بعضادتي الباب ، وهم تحته . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده -ألا كل مأثرة ، أو مال، أو دم، فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج . ألا وقتل الخطإ شبه العمد -السوط والعصا- ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها . يا معشر قريش ! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء . الناس من آدم ، وآدم من تراب، ثم تلا هذه الاية : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " .
ثم قال : "يا معشر قريش ! ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيراً ، أخ كريم. وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء" .
ثم جلس في المسجد ، فقام إليه علي -ومفتاح الكعبة في يده- فقال : يا رسول الله ! اجمع لنا الحجابة مع السقاية . صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ، فدعي له ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ! اليوم يوم بر ووفاء .
وأمر بلالاً أن يصعد على الكعبة فيؤذن -وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام، وأشراف قريش جلوس بفناء الكعبة- فقال عتاب : لقد أكرم الله أسيداً أن لا يكون سمع هذا . فقال الحارث : أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته . فقال أبو سفيان : لا أقول شيئاً ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم . فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول : أخبرك .
ثم دخل صلى الله عليه وسلم دار أم هانىء ، فاغتسل ، وصلى ثمان ركعات ، صلاة الفتح ، وكان أمراء الإسلام إذا افتتحوا بلداً صلوا هذه الصلاة .
ولما استقر الفتح : أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم ، إلا تسعة نفر ، فإنه أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة : عبد الله بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد العزى بن خطل ، والحارث بن نفيل ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خطل ، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب .
فأما ابن أبي سرح : فجاء فاراً إلى عثمان ، فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبل منه ، بعد أن أمسك عنه، رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله .
وأما عكرمة : فاستأمنت له امرأته بعد أن هرب ، وعادت به . فأسلم وحسن إسلامه .
وأما ابن خطل ، ومقيس ، والحارث ، وإحدى القينتين : فقتلوا .
وأما هبار : ففر ثم جاء فأسلم ، وحسن إسلامه .
واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسارة ، ولإحدى القينتين ، فأسلمتا .
فلما كان الغد من يوم الفتح :"قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ؟ ثم قال : أيها الناس ! إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض [فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة] ، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر : أن يسفك بها دماً ، أو يعضد بها شجرة . فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لك . وإنما أحلت لي ساعة من نهار ..." .
وهم فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف . فلما دنا منه ، قال : أفضالة؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله ! قال : ماذا تحدث به نفسك ؟، قال : لا شئ ، كنت أذكر الله ، فضحك صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه . وكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شئ أحب إلي منه ، قال فضالة : فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلى الحديث . فقال : لا. وانبعث فضالة يقول :
قالت: هلم إلى الحديث فقلت: لا يأبى الإله عليك والإسلام
لو قد رأيت محمداً وقبيله بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيناً والشرك يغشى وجهه الإظلام
وفر يومئذ صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، فاستأمن عمير بن وهب رسول الله لصفوان ، فلحقه ، وهو يريد أن يركب البحر فرده .
واستأمنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة ، فلحقت به باليمن فردته .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسيد الخزاعي ، فجدد أنصاب الحرم .
وبث صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأوثان التي كانت حول مكة ، فكسرت كلها ، منها : اللات ، والعزى ، ومناة .
ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره

اسير الصحراء 04-26-2006 07:44 PM

هدم عمرو بن العاص صنم سواع :
وبعث عمرو بن العاص في شهر رمضان إلى سواع -وهو لهذيل- قال : فأتيته وعنده السادن ، فقال : ما تريد ؟ قلت : أهدمه . قال : لا تقدر على ذلك ، قلت : لم ؟ قال : تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك ، وهل يسمع أو يبصر ؟ فدنوت منه فكسرته . وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته . فلم نجد فيه شيئاً ، فقلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله

اسير الصحراء 04-26-2006 07:45 PM

بعث سعد بن زيد لهدم مناة :
ثم بعث سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل ، الأشهلي الأنصاري ، في شهر رمضان إلى مناة، وكانت عند قديد بالمشلل ، للأوس والخزرج وغسان وغيرهم . فخرج في عشرين فارساً، حتى انتهى إليها. وعندها سادنها، فقال: ما تريد؟ قال : هدمها ، قال : أنت وذاك. فأقبل سعد يمشي إليها ، وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ، ثائرة الرأس ، تدعو بالويل ، وتضرب صدرها . فقال لها السادن . مناة دونك بعض عصاتك . فضربها سعد فقتلها ، وأقبل إلى الصنم فهدمه ، ولم يجدوا في خزانتها شيئاً

اسير الصحراء 04-26-2006 07:46 PM

غزوة حنين :

قال ابن إسحاق : لما سمعت هوازن بالفتح ، جمعها مالك بن عوف النصري مع هوازن ثقيف كلها .
فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ، فلما نزل بأوطاس ، اجتمعوا إليه . وفيهم دريد بن الصمة الجشمي ، وهو شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ، وكان شجاعاً مجرباً . فقال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس. قال : نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس . ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم . قال : أين مالك ؟ فدعي له ، فقال : إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام ، فلم فعلت هذا ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ، ليقاتل عنهم. قال : راعي ضأن والله ، وهل يرد المنهزم شئ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك : فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر . قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران . يا مالك ! إنك لم تصنع بتقديم البيضة -بيضة هوازن- إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل . فإن كانت لك : لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذاك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال . والله لا أفعل ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ، والله لتطيعنني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ، أو رأي .
قالوا : أطعناك ، فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ، ولم يفتني .
ياليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع
ثم قال مالك : إذ رأيتموهم ، فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد . ثم بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب والهلع . فقال لهم : ويلكم ، ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد . ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . بعث إليهم عبد الله بن حدرد الأسلمي . وأمره أن يداخلهم حتى يعلم علمهم . فانطلق . فداخلهم حتى علم ما هم عليه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر .
فلما أراد المسير ، ذكر له : أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً -وهو يومئذ مشرك-، فقال له : يا أبا أمية ! أعرنا سلاحك هذا ، نلق فيه عدونا غداً، فقال : أغصباً يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح .
فخرج صلى الله عليه وسلم ، ومعه ألفان من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفاً. واستعمل عتاب بن أسيد على مكة . فلما استقبلوا وادي حنين ، انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح . قال جابر : وكانوا قد سبقونا إليه ، فكمنوا في شعابه ومضايقه ، قد تهيئوا . فوالله ما راعنا إلا الكتائب ، قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد . وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ، ثم قال :أيها الناس ! أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله، وبقي معه نفر من المهاجرين ، وأهل بيته ، فاجتلد الناس فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى عند رسول الله .
وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا : لن نغلب اليوم عن قلة ، فوقع بهم ما وقع من ابتلاء الله لقولهم ذلك .
قال ابن إسحق : ولما وقعت الهزيمة تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم . فقال له أخوه صفوان بن أمية -وكان بعد مشركاً- : اسكت ، فض الله فاك ، فوالله لأن يريبي رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن .
وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي ، قال : لما كان يوم الفتح قلت : أسير مع قريش إلى هوازن ، لعلي أصيب من محمد غرة. فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه ، ما اتبعته أبداً. فلما اختلط الناس ، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف ، فدنوت أريد ما أريد ، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره . فرفع لي شواظ من نار كالبرق ، كاد أن يمحشني . فوضعت يدي على بصري خوفاً عليه ، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداني : يا شيب ، أدن مني ، فدنوت منه ، فمسح صدري . ثم قال : اللهم أعذه من الشيطان ، فو الله لهو كان ساعئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي . ثم قال : أدن ، فقاتل ، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي . الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي . ولو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف . فجعلت ألزمه فيمن لزمه ، حتى تراجع الناس، وكروا كرة رجل واحد. وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستوى عليها. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا [في كل وجه] ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره ، فدخل خباءه ، فدخلت عليه ، ما دخل عليه غيري ، حباً لرؤية وجهه ، وسروراً به ، فقال : يا شيب ! الذي أراد الله لك ، خير من الذي أردت لنفسك .
قال العباس : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكنت امرءاً جسيماً شديد الصوت- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين رأى ما رأى من الناس- : إلي أيها الناس ، أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، فلم أر الناس يلوون على شئ ، فقال : أي عباس ، اهتف بأصحاب السمرة ، فناديت : يا أصحاب السمرة ! يا أصحاب سورة البقرة ! فكان الرجل يريد أن يرد بعيره فلا يقدر ، فيأخذ سلاحه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، ويؤم الصوت ، فأتوا من كل ناحية : لبيك ، لبيك ، حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة استقبلوا الناس، فاقتتلوا ، فكانت الدعوة أولاً : يا للأنصار، يا للأنصار، ثم خلصت الدعوة : يا لبني الحارث بن الخزرج ، وكانوا صبراً عند الحرب .
وفي صحيح مسلم : "ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات ، فرمى بها وجوه القوم ، ثم قال : انهزموا ، ورب محمد، فما هو إلا أن رماهم ، فما زلت أرى حدهم كليلاً ، وأمرهم مدبراً" .
ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ، ومعهم مالك بن عوف . وعسكر بعضهم بأوطاس . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر من توجه نحو أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك بعضهم فناوشوه القتال ، فهزمهم الله تعالى . وقتل أبو عامر، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم أغفر لأبي عامر وأهله ، وأجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك .
[وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن تجمع ، وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل : أربعة وعشرين ألفاً ، والغنم : أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة ، فاستأنى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا موالين مسلمين ، بضع عشرة ليلة . ثم بدأ بالأموال فقسمها . وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس . فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل ، وأربعين أوقية. وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك. وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه ، وذكر ابن إسحاق أصحاب المائة وأصحاب الخمسين .
ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الغنائم والناس ، ثم فضها على الناس .
قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : "لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شئ ، وجدت الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله قومه . فدخل عليه سعد بن عبادة ، فذكر له ذلك ؟ فقال :فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله ! ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين ، فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتاه سعد فأخبره . فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا معشر الأنصار ، ما مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً، فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي، قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال : ألا تجيبوني ، يا معشر الأنصار؟ .
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ولرسوله المن والفضل .
قال : أما والله ، لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم ، أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك . أوجدتم علي يا معشر الأنصار! في أنفسكم في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار : أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار . ولو سلك الناس شعباً ووادياً، وسلكت الأنصار شعباً ووادياً، لسلكت شعب الأنصار وواديها . الأنصار شعار ، والناس دثار اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار. قال : فبكى القوم ، حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ". ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا.
وقدمت الشيماء بنت الحارث -أخت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة- فقالت : يا رسول الله ! أنا أختك . فبسط لها رداءه . وأجلسها عليه . وقال : إن أحببت فعندي مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك. فقالت : بل تمتعني ، وتردني إلى قومي . ففعل وأسلمت . فأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعماً وشاء .

اسير الصحراء 04-26-2006 07:46 PM

المن على سبي هوازن :
وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أربعة عشر رجلاً ، فسألوه : أن يمن عليهم بالسبي والأموال، فقال: إن معي من ترون ، وإن أحب الحديث ، إلي أصدقه . فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم ، أم أموالكم؟ فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً . فقال :إذا صليت الغداة فقوموا، فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين، وبالمؤمنين إلى رسول الله أن يرد إلينا سبينا .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة قاموا ، فقالوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب : فهو لكم ، وسأسأل لكم الناس .
فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله .
وقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم ، فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال العباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا . فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال العباس : وهنتموني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء القوم قد جاؤوا مسلمين ، وقد استأنيت بسبيهم ، وقد خيرتهم ، فلم يعدلوا بالأبناء والنساء . فمن كان عنده شئ فطابت نفسه بأن يرده ، فسبيل ذلك ، ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرده عليهم . وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا، فقال الناس : قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم . فردوا عليهم أبناءهم ونساءهم ، وكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبي قبطية قبطية


الساعة الآن 02:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
][ ملاحظة: جميع المشاركات تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تمثل راي ادارة المنتدى بالضرورة، نأمل من الجميع الالتزام بقوانين الحوار المحترم ][