منتديات جعلان > جعلان للتربية والتعليم والموسوعات > جعلان للتربية والتعليم | ||
أبحاث((( أدبية ))) |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
التنويم المغناطيسي ( علم نفس )
تعريفه: هو حالة من الهدوء تشبه النوم ، يصل إليه المريض بمساعدة الطبيب ، لكنها تختلف عن النوم في أن المريض يستمر في الإستماع إلى طبيبه والإستجابة لما يقوله . وتكون هذه الحالة مناسبة لمساعدة الشخص على قبول ما يطلبه منه الطبيب دون مقاومة. أول من استخدم التنويم الإحيائي(المغناطيسي):- أول من استخدم التنويم المغناطيسي هم المصريون القدماء ثم اليونانيون والبابليون، ثم انتشر في معظم بلاد العالم وانقرض في كثير من البلاد. وقيل أن مكتشف التنويم المغناطيسي هو الطبيب السويسري فرانز أنطوان وذلك في القرن الثامن عشر. والتنويم المغناطيسي ظاهرة قديمة قدم التاريخ ولكنها لم تدرس دراسة علمية إلا حوالي القرن الثامن عشر على يد عالم فرنسي اسمه مسمر ، الذي لم يستطع الحصول على تأييد المجتمع الفرنسي لدراسته هذه واعتبرت من نسج الخيال. وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر عالم اسمه ريد هو الذي أعطى للتنويم المغناطيسي اسمه وبعده ظهر طبيب الأعصاب الفرنسي الكبير جاركوت الذي كان استاذ فرويد الطبيب النفسي الشهير ، واستعمل التنويم المغناطيسي في العلاج ولكنه ترك هذا الأسلوب بعد اكتشافه نظرية التحليل النفسي وانغماسه فيها إلى نهاية حياته. وحين ظهر العالم النفسي ميلتون ايركسن في سنة 1967 استخدم هذه الظاهرة بطريقة مدروسة لعلاج المرضى النفسيين وجعلها جزءا من العلاج النفسي. حال الشخص أثناء عملية التنويم المغناطيسي:- 1- يقل شعور الشخص المنوم بأي شيء خارجي يسبب له الألم . 2- تزيد قدرته على تخيل الصور والمواقف . 3- يمكنه أن يسمع أو يتخيل أشياء لا وجود لها . 4- يستجيب لأي عبارة أو طلب من الطبيب المعالج. فوائد التنويم المغناطيسي:- 1- أن طريقة العلاج تناسب بعض المرضى وتساعدهم في التخلص من المشكلات النفسية مثل القلق والكآبة والإضطراب. 2- يمكن للمعالج أن يشجع المريض على تذكر أشياء من مشاهد وأحداث قديمة من الذاكرة. 3- يمكن للمريض أن يتحدث عن نفسه بحرية تامة مما يمكن الطبيب من التعرف على المريض وحالته وعلاجه. 4- يمكن عن طريق التنويم علاج بعض الحالات النفسية ويمكن الإقلاع عن بعض العادات السيئة كالتدخين وكذلك لمن يرغبون في التخلص من الوزن الزائد. صفات الطبيب والمريض:- *أولا: يجب أن يكون الطبيب على دراية تامة وخبرة بالتنويم ، ذو شخصية قوية ومؤثرة ، يتحلى بطول البال والصبر والوقار . *ثانيا: يجب أن يكون المريض مقتنع بفاعلية التنويم وفائدته بالنسبة إليه لأنه لن يستطيع الطبيب السيطرة عليه والتأثير عليه إلا برغبته . كيفية التنويم المغناطيسي:- - يقوم المريض بالتمدد على ظهره مسترخيا تماما في غرفة هادئة منعزلة عن الضوضاء ذات إضاءة منخفضة ويقوم الطبيب بالسيطرة الكاملة على تركيز المريض فكريا وحسيا وهو ما يسمى بالسيطرة الروحية على العقل والجسد ، تبدأ عملية التنويم بأن يطلب من المريض التركيز على نقطة مضيئة في أعلى الغرفة وأن ينصت لصوت المنوم بتركيز كامل إلى أن تغمض عيناه وتسترخي عضلاته ، منفذا بذلك كل التعليمات والأوامر الموجهة إليه إلى أن يصبح صوت المنوم هو الصوت الوحيد الذي يستمع إليه المريض ، ثم يخفض الطبيب صوته تدريجيا إلى أن يصبح همسا ، إلى أن يصل لتعميق النوم والسيطرة الكاملة والمريض أثناء ذلك يستطيع أن يستوعب ويدرك كل ما حوله ولكنه لا يجيب إلا على الطبيب وما يأمر به يظل راسخا في باله فلا يستطيع أحد التأثير عليه أو تغييره إلا بعد تنويمه مرة أخرى. تقسيم الشخصيات حسب قابليتهم للتنويم:- 1- المجموعة الأولى: تكون قابليتهم متدنية أو قليلة جدا للتنويم ويتصفون بخاصية مسيطرة في علاقاتهم الشخصية وعندهم شعور عميق بالمسؤولية وفي الغالب يكونون أشخاص غير عاطفيين وواقعيين ويتصفون بالإهتمام بالمستقبل. 2- المجموعة الثانية: تكون قابليتهم عالية للتنويم فإنهم يتصفون بالحساسية المرهفة ويكونون عاطفيين في معاملاتهم ويثقون في الآخرين ثقة كبيرة ويتركون أمورهم تقاد من قبل الآخرين فيتعلقون بالماضي وينسون المستقبل. 3- المجموعة الثالثة: يقعون في متوسط القابلية للتنويم وعادة تكون صفاتهم الشخصية في محل معتدل بين الشخصيتين السابقتين. التنويم المغناطيسي الذاتي .. وسيلة تأمل واسترخاء:- - إن التنويم المغناطيسي الذاتي قد يعتبر كأفضل وسيلة للإسترخاء والسيطرة على الضغط النفسي والتوتر العصبي والإجهاد خصوصا أثناء ضغط العمل أو في الأيام العصيبة لدى المرأة أثناء الدورة الشهرية ، والتي تكبح بأغلبية الأشخاص لفترات متفاوتة المدى وتزعجهم وتنغص حياتهم وتصبغها بغشاء أسود وتقودهم إلى اليأس والإكتئاب وتؤثر على صحتهم العامة مسببة فرط الضغط الدموي وحالات طبية أخرى يمكن السيطرة عليها باستعمال تلك الوسيلة البسيطة التي يمكن القيام بها في البيت أو حتى في العمل لبضع دقائق بعد أن يتعلمها المرء ويتدرب عليها ويمارسها لبضعة أيام وتقوم هذه الوسيلة على خطوات بسيطة يمكن لأي شخص مدرك أن يتعلمها بسهولة. خطوات التنويم الذاتي:- 1- اختر وضعا مريحا كالجلوس أو الإستلقاء على السرير لمدة 10دقائق على الأقل بعيدا عن أي إلتهاء خارجي. 2- اغمض عينيك وركز على إرخاء كامل جسدك من الأقدام إلى الرأس . 3- ابتدأ باسترخاء قدميك وأصابعهما وردد لنفسك كلمة"استرخي" مرارا حتى تشعر بوخزة دفء في كل عضلة من عضلات جسمك ابتداء من القدمين وتابع الإسترخاء مهما حصل لأن مع مرور الوقت ستزيد طاقتك على ذلك. 4- عنما تشعر باسترخاء كامل لقدميك حافظ على تركيزك الفكري على ارخاء باقي أعضاء الجسم والشعور بزوال أي توتر عصبي يرتابك. 5- تابع مسيرتك وركز على عضلات الأرجل والكاحلين وعضلة الساق والركب والبطن والصدر والظهر. 6- اشعر باللذة عنما يزول التوتر والإنكماش من كل أجزاء جسدك. 7- عندما تصل إلى الصدر حاول التنفس ببطء وعمق واستنشاق الهواء وزفرة بسرعة مسترخية ومنتظمة حتى تشعر بالإسترخاء التام. 8- بعد استكمال تلك الوسيلة على كل أجزاء جسمك أعد استعمالها مرة ثانية وبسرعة متزايدة مع التركيز على الأجزاء الكاملة في جسدك. 9- بعد حصولك على حالة استرخاء كاملة وعميقة حول أفكارك بعيدا عن الروتين المألوف وابعد عنك كل الهواجس والإضطرابات الفكرية واقترح على نفسك أمنية تستطيع تحقيقها عندما تستيقظ تماما من تنويمك المغناطيسي الذاتي فتردد مثلا أنك ناجح في إمتحان الغد وستحول أي شعور بالقلق إلى ثقة قوية ، عليك أن تردد تلك الإقتراحات عدة مرات. 10- حاول تلك الوسيلة الفعالة والسهلة وستحصل على نتائج مفعمة ومرضية خصوصا إذا ما استعملتها مرة أو مرتين في اليوم. الخلاصة:- * إن للتنويم المغناطيسي تطبيقات عملية متعددة في مجال الطب النفسي ، ولكنه لا يكون علاجا بحد ذاته لأي نوع من أنواع الأمراض والعلل وإنما هو مجرد إحدى الطرق التي تسهل العلاج اللازم. يهتم حاليا الأطباء في مختلف دول العالم المتقدمة بالتويم الإيحائي لما وجدوا فيه من نتائج مذهلة في معظم الحالات المستعصية وخاصة في الأمراض النفسية والعصبية ويوجد الكثير من المعاهد تدرسه وتخرج معالجين متخصصين. * التنويم المغناطيسي خاصة تستعمل قدرة الإيحاء في عدة مراحل أو ظروف حياتية للتنعم بحياة رغيدة والتغلب على التوتر الفكري.
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
مفهوم أدب الأطفال
يحاول النقاد الآن، تمحيص أدب جديد على الأدب، هو أدب الأطفال، سواء في طبيعته أو مصادره أو غاياته، مما يساهم في وضع حدود لهذا الأدب الناهض، وتتنازع مسؤوليته المؤسسات والأفراد، ويتحمل أعباءه الأدباء والمربون ورجال الإعلام. وهو جزء من الأدب بشكل عام، وينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من تعريفات، إلا أنه يتخصص في مخاطبة فئة معينة من المجتمع، وهي فئة الأطفال، وقد يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعاً لاختلاف العقول والإدراكات، ولاختلاف الخبرات نوعاً وكماَ. ولكن الذي لا خلاف فيه أن المادة الأدبية لقصص الأطفال الفولكلورية والتقليدية، والتي ظلت تحكى لأطفال شعب من الشعوب، على مر الأجيال من آلاف السنين فتستحوذ على عواطفهم وخيالاتهم، لم تكن منعزلة عن التيار العام للخيال والصور أو التفكير في هذا الشعب، بل كانت قصص الأطفال تعبيرات أدبية خالصة صنعها الكبار. - مفهوم أدب الأطفال : لقد عرَّف بعضهم أدب الأطفال، بقوله: (إذا أردنا بأدب الأطفال كل ما يقال للأطفال بقصد توجيههم، فإنه قديم قد التاريخ البشري، حيث يلتزم بضوابط نفسية واجتماعية وتربوية، ويستعين بوسائل الثقافة الحديثة، في الوصول إلى الأطفال، فإنه في هذه الحالة ما يزال من أحدث الفنون الأدبية) (1) ومع عمومية هذا الرأي وانتشاره، ثمة تأكيد على أن هذا الفن ابتدأ منظماً ومضبوطاً بقواعد وأصول، في أوروبا عموماً، وفي فرنسا على الأخص، ومنها عمت بقية دول العالم، حتى بات أدب الأطفال يشكل ظاهرة ثقافية واجتماعية واقتصادية، من حيث تنوع موضوعاته وأحجامه وأصنافه، وعم تقريباً كل مكان في العالم. (ولأدب الأطفال نوعان من الممارسة، الأول : منتوج أدب الأطفال، الذي يصنعه الكبار غالباً، وتقتصر مشاركة الأطفال فيه على التقليد، أو إبداء الإعجاب، والثاني: نشاط الطفل الأدبي والفني، ويعتمد هذا المنتوج على إظهار الموهبة المبكرة، أو على ما يصنعه الأطفال خلال أداء المناشط الأدبية)(1). وأدب الأطفال قديم قدم قدرة الإنسان على التعبير، وحديث حداثة القصة أو الأغنية التي تسمع اليوم في برامج الأطفال بالإذاعة المسموعة والمرئية، أو تخرج من أفواه المعلمين في قاعات الدراسة، أو يحكيها الرواة في النوادي، ينسجون أدباً يستمتع به الأطفال ويصلهم بالحياة. وبذلك فإن أدب الأطفال لا يمكن أن يكون له تعريف مستقل، بل يندرج في إطار الأدب العام، وهو مرتبط بالكتاب والقارئ، فالأدب يمكن أن يعرف بأنه تجربة القارئ حين يتفاعل مع النفس طبقاً لمعانيه الخاصة ومقاصده ودلالاته . - أهمية أدب الأطفال : إن الطفل بحاجة إلى أن يعرف ذاته ، ويعرف البيئة المادية المحيطة به، والأديب يساهم في تهيئة الفرص اللازمة لتلك المعرفة، حيث يقدم مجموعة من الخبرات فيها حكمة الإنسان وآماله وطموحاته وآلامه وأخطاؤه ورغباته وشكوكه، والأطفال يميلون بصدق إلى أن يتذوقوا هذا السجل الحافل، ولا أدل على ذلك من شغفهم بالقصص التي تروي عليهم أو يقرؤونها، ومحاولتهم الجاهدة لفهم الكلمات المكتوبة الزاخرة بهذا السجل. وكتب الأدب للأطفال تقدم لهم الكثير، عن أشياء من بيئتهم المادية. بما فيها من حيوان ونبات وشجر، ويزداد شوقهم للأدب كلما وضح لهم جانباً جديداً من عالمهم بعيد المدى والاتساع. والأدب بذلك يشغفهم، ويعدهم إعداداً صحيحاً للحياة العملية، بما يقدم لهم من معلومات ومعارف، تمكنهم من السيطرة على عالمهم بعد أن اتضحت لهم جوانب مجهولة منه، وهم تواقون أبداً للسيطرة على هذا العالم، وتزداد حاجة الأطفال للأدب في عصر مثل عصرنا، تتكاثر فيه المسؤوليات، وتغيّر أنماط الحياة اليومية بسرعة فائقة. وهو يساعد على تحسين أداء الأطفال، ويزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخية والجغرافية والدينية والحقائق العلمية، ولا سيما القصة. ويوسع الأدب خيال الأطفال ومداركهم، من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية، أو من خلال قراءتهم الشعرية، أو من خلال رؤيتهم للممثلين والصور المعبرة. كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانية النبيلة، ومن خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرؤها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة، فيندمج مع شخصياتها ويتفاعل معها. وإضافة إلى ذلك فالأدب يعوِّدُ الأطفال حسن الإصغاء، وتركيز الانتباه لما تفرض عليه القصة المسموعة من متابعة لأحداثها، تغريه بمعرفة الجرأة في القول، ويهذب أذواقهم الأدبية، كما أنه يمتعهم ويسليهم ويجدد نشاطهم، ويتيح فرصاً لاكتشاف الموهوبين منهم، ويعزز غرس الروح العلمية وحب الاكتشافات، وكذلك الروح الوطنية، كما أنه يوجه الأطفال إلى نوع معين من التعليم الذي تحتاجه الأمة في تخطيطها كالتعليم الزراعي، والصناعي، بإظهار مزايا هذا النوع من خلال سلوك محب لأصحاب هذه المهن (1). ـ الخصائص الأساسية لأدب الأطفال : يمتاز أدب الأطفال بالخصائص التالية : 1- يشكل فعالية الأطفال إبداعية قائمة بذاتها. 2- يتطلب موهبة حقيقية، شأن أي إبداع أصيل، فهو جنس جديد في الساحة العربية، إن صح التعبير. 3- يتبع من صلب العمل التربوي، الذي يهدف إلى تنمية معارف الأطفال، وتقوية محاكماتهم العقلية، وإغناء حسهم الجمالي والوجداني. 4- يعتمد على اللغة الخاصة بالأطفال، سواء أكانت كلاماً أم كتابة أم صورة أم موسيقا أم تمثيلاً. 5- يشمل جميع الجوانب المتعلقة بالأطفال، من الأشياء الملموسة والمحسوسة، إلى القيم والمفاهيم المجردة. وتشير هذه الخصائص إلى الأهمية البارزة لأدب الأطفال، التي جعلت منه موضوعاً شغل العديد من الكتّاب والأدباء في العالم، وقد أخذ على عاتقه مسايرة الركب الحضاري والتطور الأدبي بأشكاله وألوانه المختلفة، فقد آمن عدد كبير من الكتَّاب والأدباء والمفكرين بأدب الأطفال، وضرورة التركيز عليه، وإظهاره بشكله ومميزاته، حتى يقف إلى جانب أدب الكبار، وحتى يسهم في خدمة الجيل الصاعد، الذين هم أطفال اليوم ورجال الغد المرتقب، فهم بناة المستقبل المأمول ورجاله. - أدب الأطفال والمجتمع : إن مرحلة الطفولة ليست منفصلة عن الحياة التي تقتضي العيش مع الجماعة، فللحياة الاجتماعية خصائصها ومقتضياتها، وللمجتمع مطالبه الآنية والمستقبلية، التي لا يمكن إهمالها عند تقديم مادة أدبية للطفل أو إنتاجها. وإن ما بين الأدب والحياة من علاقات لا تنفصم عراها، هو ما يميز الأدب القادر على الاستمرار ذلك الذي لا يعيش سوى زمن قصير، فأي أدب لا يمكن النظر إليه منفصلاً عن الحياة، وإنما ينبغي أن يزخر بما تزخر يه الحياة من عادات وتقاليد ونظم وفن وفلسفة، والأدب إحدى الوسائل التي ابتكرها الإنسان لتيسر له فهم الحياة، ورسم أهداف مستقبلية لها، والنهوض بها إلى مستويات أفضل، تلبي له بعضاً من طموحاته وأمنياته. ومما ينبغي أن يكون عليه أدب الأطفال، عدم إقراره بعيداً عن فهم طبيعة الطفل، وخصائص نموه، ومطالب الحياة الاجتماعية. ولعل فيما يلي من شروط للمادة الأدبية، يمكن أن تسهم في بناء شخصية الطفل، وفي إدماجها في الحياة الاجتماعية: 1 ـ مراعاة المادة الأدبية لطبيعة الطفل وخصوصيتها، وخصوصية المراحل الفرعية التي تتكون منها. 2 ـ مراعاة متطلبات الحياة وأهداف المجتمع، فلا قيمة لأدب من دون رسالة، وأن يحقق التوازن المناسب بين الفرد والبيئة. 3 ـ أن تمتلك المادة الأدبية عناصر الإثارة المناسبة، التي تستدعي استجابات إيجابية من التلقي، ومقومات تجعله قادراً على تحريك دوافع الطفل وتوجيهاً سليماً إيجابياً. 4 ـ الكائن البشري – طفلاً كان أم راشداً – قادر على الاتصال والتفاعل مع البيئة بوجهيها المادي والاجتماعي، وباستطاعته مواجهة تحدياتها التي لا تراعي أصلاً خصوصية المراحل النمائية للإنسان، من خلال قدرة الكائن على التكيف والتلاؤم. 5 ـ مراعاة ما تنطوي عليه حاجة حب الاطلاع عند الطفل كونه باحثاً عالماً مسكوناً بهواجس التنقيب والاكتشاف والفضول، ولا يتعب من طرح الأسئلة التي يتوالد بعضها من بعض وكأنها تفيض عن نبع لا تنضب مياهه (1). - وسائل تنمية أدب الأطفال : إن الوصول إلى التنمية المطلوبة في أدب الأطفال، يقتضي أن نعمل على إنجاز ما يلي : 1 ـ الاتجاه إلى الأطفال كجيل جديد، عليه أن يتسلح بقيم عربية أصيلة. 2 ـ إيمان المؤسسات الثقافية والتربوية، بأدب مستقل للأطفال. 3 ـ جعل الوسائط الثقافية والتربوية، تراعي خصائص النمو عند الأطفال، وتستجيب لحاجاتهم في التعبير والاطلاع والإبداع، وتتوافق مع طبيعتهم. 4 ـ ربط الثقافة العربية المعاصرة المكرسة للأطفال بمناهج التعليم. 5 ـ الاهتمام بالثقافة العربية، التي تتبع أساليب تهز وجدان الطفل، وتؤكد على روح الجماعة والتعاون مع الآخرين، وتعنى بتربية العقل واليد معاً. 6 ـ إيقاف الأدب على وعي الفساد والتخلف فيما حولهم وإحلال القيم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحية، والروح الإنسانية. 7 ـ مساعدة الأطفال على وعي الفساد والتخلف فيما حولهم وإحلال القيم المتمثلة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والوفاء، والتضحية، والروح الإنسانية. 8 ـ البحث عن أدوات إيصال ثقافية جديدة تغري الأطفال وتجذبهم. 9 ـ إيجاد وسائل فعالية لقيم أدب الأطفال الجيد. 10 ـ الاعتماد على الأصيل من التراث، وتجسيده لربط الحاضر بالماضي، والانطلاق به إلى مستقبل أفضل. 11 ـ التأكيد على تقديم نوعية متميزة في الشكل والمضمون، أي في الكيف لا في الكم (1). 12 ـ إنشاء حوافز معنوية ومادية، تحث المعنيين من الأدباء والكتاب والرسامين والمثقفين على التفرغ لأدب الأطفال. إن وسائل تنمية أدب الأطفال، التي ذكرتها، ما هي إلا صورة طموحة رسمتها من خلال الواقع، وعبر تطلعنا إلى أدب خاص بطفلنا، ويقوم بفعالية مدروسة ومشتركة من خلال دعم الثقافة النظرية بالعمل والممارسة، لكثير من الأنشطة العلمية والعملية وغير ذلك من الأنشطة التي تتم داخل المدرسة وخارجها. وأخيراً، ينبغي أن نشير إلى الأسس التي تدل على مكامن التجربة الإبداعية في أدب الأطفال : - التعريف بالقاموس المشترك للطفل في هذه المرحلة العمرية أو تلك، وأن يستتبع ذلك إنجاز دليل للإنسان اللغوية والتعبيرية في مخاطبة الأطفال (المفردات، التراكيب، الصور، المجازات، الصفات، الأطفال، الألوان .. .. الخ). - التعريف بفنون أدب الأطفال، من منظور الاستراتيجية التربوية العربية طبيعة العلاقة بين الإبداع والجمهور، وتناغم العناصر الداخلية للعمل مع المغزى، وتنشيط منطق العمل نحو عقلنة الخيال الشعبي وانتشاره واستخدامه، تشجيع الحوار حول سبل ترشيد أدب الأطفال .. .. الخ. - التعريف بما يخالط أدب الأطفال، من مؤسسات تربوية أخرى، كالمدرسة، ووسائل الإعلام، وبحث مكانة أدب الأطفال، إزاء هذه المؤسسات جميعها. - التعريف بمجموعة الأنماط الثقافية، التي تكوِّن المناخ الثقافي والتربوي للطفل، في الحكايات والأساطير والمأثورات والتاريخ والتقاليد الشفوية وسوى ذلك، وفرز ما يدخل في مصادر أدب الأطفال، أو مؤشراته سلباً أو إيجاباً، وعلامة ذلك كله بالتغير الاجتماعي والنهوض التربوي. - التعريف بوسائط الأطفال إلى أدبهم عبر الإجابة النوعية على مشكلاتها بادية للعيان في هذا الوسيط أو ذاك، وبخاصة بعد تعدد هذه الوسائط، وانتشارها السريع إلى أوسع قواعد جماهير الأطفال (1).
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
جراح ساخنة( مجموعة قصصية)
الكاتب :الدكتور طار ق البكري جراح ساخنة( مجموعة قصصية) الدكتور طارق البكري جراح ساخنة قصص قصيرة القطار الذي لم يصل د.طــارق البكري السيد الجالس في المقعد الملاصق للنافذة يوزع نظراته... حيناً ينظر إلى الخارج عبر الزجاج المكسو بغلالة سميكة من الغبار وحيناً ينظر إلى الناس الذين يخطون في الأرض جيئةً وذهاباً.... كان يحملق في وجهه طفل صغير.. يتنطّط أمامه بحركات صبيانيّة لطيفة.. كانت الأم منهكة ومنشغلة، لا تعنيها نظرات الناس من حولها، زحمة خانقة تسدّ الممرّات؛ بالكاد تستطيع إيجاد مقعد تلقي جسدك فوقه... الأم تراقب باهتمام.. تلصق في صدرها طفلة في شهورها الأولى؛ تمسك ثدي أمّها.. تغوص في صدرها حتى الانصهار.. قرب المقعد حقيبة ثياب قديمة ممزقة الأطراف باهتة الألوان، تحيطها بنظراتها خشية السرقة والضياع في هذا الازدحام الفظيع.. السيد بدا مستغرقاً بمراقبة الطفل.. يتلهى انتظار وصول القطار المتأخر عن موعده، يطرد النّعاس عن عينيه، يشدّ جفنيه صعوداً ويشتدان نزولاً.. يخشى السقوط في النوم فوق مقعده الجلدي المتحجر، يغلظ على نفسه ليبقى يقظان حذراً... ===>>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
القطار قد يفوت ويمضي.. لن يستطيع الانتظار يوماً آخر.
السيد حملق في الطفل، يراقب حركاته كمشهد سينمائي لافت، صافرات القطار تزعق بلا انقطاع، العجلات الحديدية تبلع الأرض في سباق محموم مع الزمن... لاحظ السيد حبلاً في ساعد الطفل مربوطاً بإحكام.. فكر أن الأم حذرة جدا،ً تخشى ضياع طفلها في هذا الزّحام.. أطفال يُفقدون، يُخطفون، يتشردون، يتعلمون السرقة والتسول... "حياة بغيضة كريهة...". تمنّى السيد لو يملك عصاً سحريةً يغيّر بها العالم... يبحث عن خلاص حقيقي لكل شيء من أي شيء خصوصاً الانتظار الممل وعادة تأخّر القطارات المزعجة... " لا الحياة لا يمكن أن تكون بغيضة إلى هذا الحد الناس يريدونها هكذا.." . السيد كان يسبح في خياله... الحبل المربوط بساعد الطفل طرفه الآخر مربوط بساعد المقعد الذي تجلس فيه المرأة... مسح الرجل نظارته السميكة.. أرخى ربطة عنقه.. "فكرة رائعة لا أدري من أين تأتي النساء بأفكارهن... ماذا دعاها لتقوم بذلك؟ أهي وحيدة؟ أرملة؟ مطلقة...؟ ثوبها يوحي بالفقر الشديد؛ لكن ابنها يرتدي ثياباً فاخرة!.." . التناقض أثار الرجل سرح بالخيال ترك خياله يسير على راحته.. لم يشأ وقفه؛ فالقطار الذي ينتظره متأخر عن الوصول، يريد التسلية، يريد إمضاء الوقت بسلام، لا يريد النوم فيمضي القطار دونه... مسح الرجل نظارته مرةً ثانيةً.. "اعتقد أنّ هذه المرأة أرملة.. أظنّ أنّها عائدة إلى قريتها.. لو كان زوجها على قيد الحياة لكان في وداعها.." . فكر الرجل : أين أقاربها وأصدقائها وجيرانها؟ الطفل ما زال يلعب جوار الأم لا يفارق المكان... الحبل يمتصّه دوماً إلى مقعد الأم.. الطفل لا يتمرّد لم يتململ من العقدة القاسية في معصمه.. يقفز فرحاً بالنّاس... من حوله يمرّ الناس؛ بعضهم يوقعه أرضا..ً يرتطمون به رغماً عنهم.. لا ينتبهون إليه.. منهم من يصيح به: ابتعد عن الطريق، ومنهم من ينحني يقبّل وجنته الصغيرة... الأم مشغولة بطفلها وبرضيعها وبالحقيبة... إلى جانبها رجل مشغول بهم جميعاً... مسح الرجل نظارته من جديد... غبار القطارات يتعلق بكل شيء.. المنديل تغيّر لونه.. نظر الرجل عبر النّافذة.. ألقى نظره على القطارات المتعاقبة.. شعر بالملل الشديد.. النعاس يدب إلى عينيه، تمنى وصول القطار ليسقط نفسه في مقعد من المقاعد لينام. الخوف من عبور القطار ضيف ثقيل يشاركه جلسته مع الملل... بلّ منديله بقليل من ماء يحمله في زجاجه؛ مسح جبهته.. مسح جفنيه، يريد مقاومة النعاس حتى النهاية... الناس يمرون به دون اكتراث.. لم يعد يستطيع متابعة الطفل عن كثب، ضاع الطفل بين سيقان الناس، مازال النعاس يتسلل إلى عينيه بكل وقاحة.. رآه يأكل قطعة خبز فخوراً بنفسه.. ازداد الناس غاب الطفل من جديد عن عينيه... غابت الأم. بعد مدة قام الرجل من مقعده الجلدي المتحجّر، نظر إلى ساعته، شعر أنّ القطار قد فاته منذ زمن، لم تعد يسمع الصافرات، نظر نحو الطفل؛ وجد المكان خالياً، نظر نحو الأم؛ وجد المقعد خالياً.. اقترب من المقعد، التقط قطعة خبز يابسة كان يحملها الطفل، وجدها على الأرض قرب المقعد، الحبل لا يزال مربوطاً في ساعد المقعد.. حل الرجل الحبل.. لفه على معصمه.. خرج مغادراً قاعة الانتظار. سأل عن موعد القطار القادم.. عاد في اليوم التالي؛ جلس في مقعد الأم وفي يده الحبل مربوطاً في ساعده وفي يده الأخرى قطعة الخبز اليابسة وتذكرة القطار، يريد أن يرحل ويلحق بالطفل... سكن المقعد، حنّط قطعة الخبز، نسج من خيطان الحبل ثوباً جديداً. _______________________________ ==>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
البيت القديم المهجور
د.طــارق البكري تنحّت جانباً... خلف عمود يرفع على هامته سقفاً تزينه خيوط عنكبوتية؛ بعضها اسودّت مع مرور السنين، وأخر حديثة جداً لم يكمل صاحبها نشر أوصالها... شعّ في عينيه بريق خافت مسكون بأحلام الماضي... بعد غياب طويل اقتضته ظروف قاسية؛ لم تمح آثارها بعد.. تنهّدت خلف زجاج المنزل المكسور، المكسو بغلالة ناعمة من الغبار الساكن في هذا البهو الواسع الممتد، واهتزت أصابعها وهي تحاول الإمساك بمقبض الباب؛ فأصابها ارتعاش ينبض بتلك الأيام المحملة بالألم والملونة بالدماء... أشاحت عينيها لوهلة..... استجمعت كل قواها الخائرة... عندما همّت بالدخول؛ تفرّست بعلامة قديمة كانت قد حفرتها بمفتاح قديم... قبل أكثر من أربعين سنة.. فزعت، لم تقو قدماها الثقيلتان على الانتقال ولو خطوة واحدة لوطىء تراب المكان، حسبته شيئاً شريفاً لا ينبغي مسّه لسكناه في مكان عزيز عليها... وربما كان اعتداء على حرمة المكان المحفور في الذاكرة.. مثل نقش على صخرة مصقولة... عادت بها الذاكرة إلى أيام الطفولة... لا تزال تذكر بعض الكلمات العربية... أمها "الجبارة" رفضت الانصياع لأمر إخلاء المنزل؛ ظلّت معسكرة فيه حتى ماتت من الجوع.... صارت الطفلة تبكي ووجدت نفسها بعد ذلك في بلاد بعيدة... تعيش بين أسرة طيبة عوضتها فقدانها للأم والأب... وقفت مذعورة أمام المشاهد المترائية مثل خيالات تتراقص حولها... أعمدة متهالكة.. أرضيات متشققة .. جدران متصدّعة .. عادت الذّاكرة إلى الماضي.. يوم كانت طفلة تملأ الدار ضجيجاً وتطبيلاً.. هناك كانت لعبتها الصغيرة: "آاااااااااااه "... ما زالت تتذكر عندما تعثرت قدمها ووقعت على العتبة وسال الدم من أنفها، وتلطخ ثوب أمها الأخضر وهي تحملها لترضيها وتمسح عن عينيها دموع البكاء... هناك تحت الدرج كانت تجلس لساعات، تعتبره مكاناً خاصاً، تعتبره ملكها لا يجسر أحد على الدنو منه دون إذنها... كان الجميع يحترم اعتبارها... حتى والدها لم يعترض، رغم أنها جعلت المكان مخزناً دائماً لأشيائها الثمينة... كانت تعيش حياة رغيدة وسعيدة... فجأة اختفى أبوها ورأت أمها تبكي.. لم تكتشف سرّ البكاء، لكن الصغيرة أدركت أن أباها رحل إلى الجنّة شهيداً بعدما تصدى لعصابات مجرمة أتت من بعيد... طلبت العصابات من أمّها إخلاء المنزل، رفضت وتحصّنت لأيّام دون طعام... تحمل بندقية قديمة تهدّد بها من يحاول اقتحام المنزل... بقي قليل من الطعام فتركته لطفلتها.. فعاشت الطفلة وماتت الأم بعد أيام من الجوع والعطش... تذكرت الطفلة "الكبيرة" كل ذلك بعدما قررت العودة إلى وطنها بجواز سفر غربي واسم غربي... إلا أن كل ما هو عربي اشتعل في نفسها عندما جاءت ضمن وفد سياحي... كانت تسعى للوصول إلى قريتها البعيدة... فوجئت أن بيتها القديم لا يزال جاثماً على ربوة عالية.. ربما هجره العصابات لشدّة بساطته ولمكانه البعيد عن المدينة... اشترت الطفلة "الكبيرة" بيتها من الإدارة المدنية في المنطقة... لم تكشف لأحد سر هذا الشراء. بل أن أحدهم إستهزأ بها وظنّ أنها مغفلة... لكن.. هل تستطيع ولوج المكان ووطىء بساط الغبار... إنّه أمر عسير جداً، فهذا الغبار احتضن بلاط الأرض لسنوات طويلة... عايش نسمات الماضي... امتلأت رئتاه بعبق الماضي الذي تحلم به .. قفلت الباب بمفتاح قديم... وضعت لوحة كبيرة عليها اسمها الحقيقي... ليس اسمها الغربي الموجود على جواز السفر، بل اسمها القديم، وتحته عبارة: هنا استشهد أبي وأمي وليس لي ذكرى إلا هذا البيت القديم المهجور.
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
السـّـاعة المنبّهة
د.طارق البكري تقلصت كل الرؤى والأحلام على وقع رنين المنبه المزعج، الذي لا يريد أن يهدأ ولا أن يخرس... فاتح فمه مثل حيوان مفترس يصيح بفريسته، أنا. تسارعت الأفكار المبهمة على وسادة صفراء مضطربة كجسد يحتضر... نبشت صيحات السّاعة المنبّهة، المسندة إلى طاولة جانبية بالقرب من سريري، حطام رأسي، شكّلت منه فسيفساءً عملاقة لا تنتمي إلى دنيا الفن بشيء، تشذّ حتى عن السّريالية في عالم من اللامعقول، يحجب دهشة النظرة الأولى.. ضربة واحدة، سريعة خاطفة، كانت كافية لتحلّق السّاعة نحو الجدار الصلب، فتسقط متفتّتة مبقورة البطن، بارزة الأمعاء، تلفظ بقايا العقارب المؤذية، ويتناهى إلى الأسماع أنين الجرس المزعج... وكان الصمت إعلاناً عن موت السّاعة المنبّهة، لتصبح من الآن فصاعداً جثّة هامدة لا حياة فيها.. هو تمرّد، ثورة، اعتراض، سمّه ما شئت.. هذه حياتي لي أنا وحدي.. متى شاركتني فيها السّاعة حتى تحدد لي خياراتي؟.. تتحكم بأنفاسي.. بأوقاتي.. لا أريد بعد اليوم وقتاً، أريد العيش خارج الوقت.. خارج الزمن.. أكره الساعات.. نعم، أكره كل أنواع الساعات الرخيصة منها والباهظة الثمن، لم أنسج معها في أيّ أيام حياتي علاقة تناغم وتفاهم، حتّى إنّي لم أحمل في معصمي ساعة إلا اضطراراً؛ بعد أن كبرت وشاب نصف شعري وباتت طبيعة عملي تلزمني بذلك. منذ طفولتي والسّاعة تشكل هاجساً لي.. كانت توقظني من أحلامي الصغيرة وتقذفني في الشوارع الضيقة، نحو المدرسة، التي كانت عقارب ساعاتها تمضي مثل السلحفاة المسنّة... لم تكن السّاعة تتحرك بسهولة... عندما كبرت اعتقدت أني تخلصت من هواجسي وجنوني، لكن ظلّت السّاعة ذلك الوحش الذي ينقضّ على كل شيء جميل أحبّه، وكلّ اللحظات الرائعة التي أعيشها، فيما كانت تسير ببطء فظيع في كل أمر أودّ أن أنتهي منه بسرعة.. اليوم، فجأة، ودون سابق إنذار؛ أعلنت تمردي على كل العقارب، الصغيرة منها والكبيرة... لا أدري كيف جاءتني الجرأة.. لم أكن يوما بهذه الشجاعة. سأحطّم كلّ ساعات المنزل.. لا، بل كل ساعات الدنيا، أريد أن أحيا هكذا من دون زمن، أنام عندما أريد، أصحو عندما أحب، أخرج إلى عملي وقتما أشاء، آكل وأشرب وأعيش بتلقائية بالغة.. بصراحة.. لقد أعلنت إفلاس الزمن... أنا لا أريد الالتزام بحركات العقارب وسكناتها، كأنني رهينها... أسير بين دقّاتها ورنّاتها... أدور ـ مثلها ـ في حلقة فارغة... أعيش بين أرقامها وعقاربها، كمن يحيا في جحر العقارب والأفاعي.. فهل يعقل أن أعيش بين العقارب؟ مستحيل ! هل أنا مجنون إلى هذا الحد؟ مجرد التفكير بالسّاعة ودقّاتها يولّد في سريرتي شيئاً من الرعب المجنّح. تكتكاتها ورنّاتها مثل قصف الصواريخ وأزيز المدافع.. حتى أجمل السّاعات تبدو لي دميمة قبيحة، لا أجد لها وصفا في الطبيعة... هناك عداوة مزمنة بيني وبين الزمن، لم أتغلب يوما على هذه العقدة.. لكن هل سيسمحون لي بذلك؟ هل يقبل أحد بهذا التمرد؟ سأطرد من عملي دون شك... لن يلتزم أحد معي بموعد للقاء.. فأنا متمرد ضد الزمن.. وهل سيسكت عليّ الزمن؟ سيفضحني أمام المكان واللامكان.. سيقودني حتماً في طرقات لا زمن فيها.. ربما أعرى.. أجوع.. أتشرّد ! لا بأس.. سأواصل الاعتراض حتى يرضخ لي الزمن ويستسلم.. لن أتنازل عن آخر ثورة لي.. حتى هذه الأحلام لن يسمحوا لي بها؟! ****** فجأة...امتدت يد أمي بحنان.. أيقظتني من سبات عميق وأحلام فاتنة... قالت بحب : " هيا يا ولدي لقد طلع الفجر.. انهض للصّلاة قبل طلوع الشمس من مرقدها". نهضت مسرعاً.. رمقت السّاعة التي لا تزال في مكانها مسنّدة ـ هناك ـ على طاولة جانبيّة، أسرعت إلى الوضوء وكتفي لا يزال يشعر بتربيت يد أمي.. الأجمل بكثير من رنين الساعة المنبهة. ====>>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
المتسوّلة
د.طارق البكري جلست على التراب في ظل حائط أمام مدخل المسجد، تستر وجهها بقطعة قماش باهتة متآكلة الأطراف، تضم إلى صدرها طفلة صغيرة شاحبة، بدا من عينيها أنها لم تنم ولم تأكل منذ أيام. حضرت مبكرة.. فوقت الصلاة الجمعة لم يحن بعد.. هنالك أكثر من ساعتين.. ولولا بعض العابرين من آن إلى آخر لقفر الشارع إلا منهما. البنت الصغيرة ملّت المكوث في حضن أمها... اللعب في باحة المسجد أمر مغر، قفزت تهرول، لم تمانع الأم، تركتها تلهو ببراءة حتى عثرت في أحد جوانب الباحة على نخلة دانية القطوف، حملت بعض ثمارها وركضت نحو أمها لتشاركها وجبتها الشهية.. نظرت الأم بإشفاق: "مسكينة أنت.. ما ذنبك لتتحملي معي الألم الفقر؟* لقد يتّمت باكراً جداً، حتى إنّك لم تعرفي معنى الأبوّة" .. تذكرت كيف كانت تعيش عيشة رغيدة بصحبة زوجها.. لقد كانت سعيدة جداً قبل أن يأتي الأشرار ويطردونها من بيتها وأرضها.. حاول زوجها أن يمنعهم.. لم يكلّفهم إلاّ رصاصة واحدة.. سقط إثرها مضرجاً بالدماء .. خرجت الأم هائمة على وجهها، تجرّ ابنتها جراً، وانقطع أي اتصال بينها وبين أخوتها، كانت متأكدة من موت أبيها وأمها على يد الأشرار هؤلاء... حملها باص صغير... نقلها وابنتها إلى أرض بعيدة.. كرهت نفسها.. كرهت الناس والحياة، تمنت لو ظلّت هناك جثة هامدة إلى جانب تربة زوجها، لأنّ ذلك أفضل مما هي فيه ألف مرة. بالأمس كانت تعيش ملكة في مملكتها واليوم تمد يدها إلى الناس.. يا سبحان الله كيف انقلب بها الحال؟ هجرت أملاكها ووجدت نفسها في مكان بعيد داخل مزرعة.. لم تكن تقوى على السير... حملها رجل.. ادخلها بيته، وبعد أن استعادت وعيها حاول نهش لحمها المشوي تحت الشمس بلا رأفة ولا رحمة.. ضربته بخشبة امتدت إليها يدها الواهنة.. ضربته في عينه فانقلب على ظهره من الألم، حملت ابنتها وفرت بمصيبتها؛ لقد كان جار أسرتها... جف حليبها ولم تيأس.. بحثت في القمامة عن بقايا الطعام.. أصبح وجهها كومة عظام يحمل عينين ناتئتين بعدما كانت تتدفق بالحياة.. اقترب موعد الصلاة ولم يأت أحد بعد.. عزت نفسها بثمار النخلة.. اقتربت من باب المسجد فشاهدت ورقة معلقة في ركن جانب المسجد: "مغلق للترميم"، ضحكت كما لو لم تضحك من قبل.. "حتى المسجد أغلق لما جئت إليه؟".. قامت تسير ببطء شديد.. مرّت سيّارة مسرعة.. خافت الطفلة من صوتها المرعب.. أوقف السائق سيارته فأحدثت الإطارات زعيقاً متواصلاً فوق الأسفلت.. تلفت هنا وهناك ثم عاد بهدوء وقال: "إلى أين يا حلوة ؟" رمقته الأم بأسى وبصقت في وجهه ثم مضت في طريقها.. أغضبت الأم الشاب... عاد وتلفت هنا وهناك وعندما تأكّد أن المكان خالٍ تماماً انقض بسيارته على المرأة المسكينة وطفلتها البريئة وتركهما فوق الرصيف يودعان الحياة. ===>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
المــرأة الغامضة
د.طــارق البكري من يستطيع فهم تلك المرأة الغريبة...؟؟ جاءت من مكان لا نعرفه...! سكنت حارتنا الشعبيّة، اشترت أقدم بيت فيها..! أصلحت البيت.. جدّدته.. حافظت على شكله القديم، أصبح تحفةّ رائعةّ... سيّارتها الحديثة جداً، تلمع تحت الشمس، ولا تتناسق أبداً مع أزقة حارة ضيقة ممراتها، متّسخة ساحاتها، مختنقة بالباعة الجوالين وبسطات الخضار والفاكهة والثياب المستعملة... من يفهم المرأة؟ تنزل من سيارتها... تدفع كتلةً دهنيةً عظيمةً... تجعلها مثل بالون منتفخ.. يمسك السائق الباب ويفتحه أقصى ما يستطيع، السيّارة كبيرة واسعة؛ تنزلق المرأة منها برشاقة وخفّة تناقض ما تحمله من تضاريس تشعر أنّها قد تقع من جسمها. تسير المرأة في محاذاة البيوت المتهالكة، تسير ولا تتلفت. أهل الحارة ينتظرون يوميّاً هذا المشهد الذي يستغرق ثوانٍ معدودات ثم تختفي المرأة في بيتها القديم المتجدد.. لم يكن أحد يملك شجاعة كافيّة ليلقي التحية على المرأة، أو على الأقل ليسأل سائق السيارة عن السر الغامض... أصبحت المرأة حديث الناس.. والناس في الحارات الشعبية يعرف بعضهم بعضاً.. يعيشون في بيوت كأنّها من زجاج.. لذا كانت المرأة لغزاً حقيقياً احتار به الجميع. مواعيد دقيقة جداً مثل رنّات السّاعات السويسريّة الأصيلة، التي بات شباب الحارة يفتخرون باقتناء نسخ مقلّدة منها، يتباهون بحملها.. المرأة تأتي إلى البيت مرّة في الصباح وتخرج بعد ساعة، وأحياناً تأتي قبيل المغرب إلى أذان العشاء، وغالباً يوم الخميس تمكث طوال النهار.. احتار الناس... لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.. كانت تحضر خادمتها معها؛ تأتيان معا.. يبقى السائق قرب السيّارة منتظراً.. يمسح زجاجها وهيكلها.. يقرأ كتاباً.. تسير المرأة محاطة بعلامات الاستفهام، لا تحرك رأسها، لا تتكلم، تغيب بسرعة كأنّها هاربة من شيء... نسج أهل الحي البُسطاء عن اللغز قصصاً شعبية... العم أحمد صاحب جزارة اللحوم، أثرى رجل في الحارة، وأكثر أهلها حرصاً على اكتناه سرّ هذه المرأة.. زوجته ماتت قبل سنوات طويلة.. أولاده تزوّجوا وخرجوا من الحارة ؛ سكنوا العمائر الحديثة التي يقصدها المتعلمون خوفاً من انكشاف أنّهم من أبناء الحارات والأزقة والأبنية الشعبية... العم أحمد فكّر بالمرأة عروساً له... ببساطة، بعد الستين: "لا بأس، سنّها مناسب جدا،ً تبدو شابّة.. لكنّها بالتأكيد جاوزت الأربعين، أظنّها أرملة.. أكيد هي أرملة.." . ترتدي دائما الثياب الداكنة، صحيح أنّها غنيّة وتبدو أيضاً متعلمة؛ لكن العم أحمد أهم رجال الحارة، كلمته كلمة.. الكل يحترمه ويهابه.... الحاج فكري، حلاَّل المشاكل، تصّور المرأة غارقة في بحر من الهموم.. إنها صيد لذيذ حبذا لو سقطت بين يديه ليكشف كلّ هذا الهم الذي يكسوها.. يريد فكري أن يزيل عن المرأة هذا الغمام، ويرى عينيها.. حاول مرة الاقتراب، منها نظر إليه السائق نظرة مرعبة.. تأمل عضلاته المفتولة.. قال في نفسه: " الهروب ثلثاً المرجلة" . نساء الحارة أصابتهن الغيرة من السيدة المجهولة بعضهنّ حاولنّ التلصلص عليها من النوافذ المطلة.. لكنهنّ فشلنّ؛ لم تكن نوافذ البيت تفتح على الإطلاق، الستائر السميكة لم تكن تتحرك... حاول البعض إشاعة خبر: "المرأة سيئة السلوك.. تأتي بغرض المتعة الحرام" . لكنّها لم تتجاوز الأفواه؛ لم ير أحد رجلاً على الإطلاق يدخل البيت.. حتى السائق كان لا يدخل أبداً.. ينتظر في السيّارة مثل الحارس الأمين... الشّباب تفتّحت أذهانهن على أحلام الزواج بسيدة قوية غنية، تلفّها الأسرار والألغاز.. الاسم لا يهم، النسب لا يهم، المهم أنّها تملك سيارةً فخمة وبيتاً رائعاً في حارتهم الشعبية الفقيرة.. سوف يصبح سعيد الحظ سيد الحارة بلا منازع... شيوخ الحارة تأسفوا على ضياع شبابهم.. تحسّروا لأنهم لم يلتقوا سابقاً بهذه المرأة الغريبة الآتية من المجهول.. وراحوا يتمنونها لأولادهم .. الصغار فرحوا بالسيارة الفارهة؛ ينتظرونها كل يوم.. يدورون حولها.. يركضون وراءها.. يغنون ويرقصون ويصفقون.. السيّارة بالنسبة لعم عيد يومي.. بل صارت كرنفالاً مجانياً يسرحون فيه ويمرحون... الجميع بلا استثناء كان مشغولاً بالمرأة الغامضة.. المرأة وحدها لم تكن تفكر بأحد.. كان فكرها مشغولاً بشيء آخر.. ما تزال تذكر هذه الممرات والأزقة والبيوت المكدّسة فوق بعضها.. يوم كانت طفلة.. يوم طردها وأسرتها صاحب البيت لأنهم لا يملكون دريهمات قيمة إيجار غرفة رطبة في أسفل المنزل تحت الأرض، كانت تستخدم كمخزن للأشياء المهملة... عادت المرأة لتتذكر ماضيها... عادت غنيّة.. بل غنيّة جداً.. الناس لا يعرفونها، فكروا بكل شيء، إلا أن تكون ابنة الرجل الفقير الذي كان يسكن الغرفة الرطبة البعيدة عن الشمس والهواء قبل نحو ثلاثين عاماً... لكنّها ما عادت لتسكن البيت.. بل لتسكن ماضيها الأليم.. لتدفن تشرّدها وأهلها سنوات فوق الأرصفة، دون أن يسأل عنها وعن أهلها أحد.. لا العم أحمد ولا الحاج فكري ولا حتى واحدة من نساء الحارة، أو شاب من شبابها أو شيوخها كما يسألون عنها اليوم لـ "سبب".... كانت ابنة ذلك الفقير، ابنة رجل لا يملك شراء لحمة من جزارة العم أحمد، بل كان يبحث عنها في حاوية القمامة .. ولا يملك ثمن خياطة ثوب عند الحاج مرعي.. ولا شراء فاكهة من بقالة الكرم.. لم تبدد المرأة الغامضة أحلام حارتها.. لم توقظها من نومها الطويل.. لم تشتري المنزل الكبير لتسكن فيه؛ بل كانت تأتي لتلقي بنفسها دقائق معددات في سريرها القديم.. في الغرفة الرطبة التي لا يصلها الهواء ولا الشمس.. ظل أهل الحارة يتكلمون ويتكلمون ويتكلمون .. وظلت المرأة دفينة أسرارها وغموضها . ====>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
حــاضر سيدي
د.طـارق البكري بقلم : لم تظهر أي شكل من أشكال الاعتراض .. " حاضر سيدي" قالتها بصوت منكسر لا تملك حتى أن تـعبر في ملامح وجهها عن الرفض .. أبدت الإعجاب.. وافقت فورا على كل ما قاله .. في نفسها كل إمكانيات التمرد ..لكنها امرأة محطمة أو على الأكثر بقايا حطام .. كانت أفكارها مجمدة ..أحاسيسها مكبله.. عيونها فاترة، تمشي كآلة تحركها أداة التحكم عن بعد .. " حاضر سيدي".. تكفيه هذه العبارة ، لا يريد منها أكثر، يثق بأنها ستنفذ أوامره بدقة تامة.. يعلم أنها تكرهه و تود لو تغرس أنيابها في لحمه تمزق جسده بأظافرها التي تبدو له كمخالب نمرة شرسة في قفص من حديد. تعطيه ظهرها وتمشي .. يرن جرس الهاتف، يقطع عليه حبال الخوف ، هذا الرعب اليومي الذي يعيشه دون أن يجرؤ على إنهائه .. " أهلا ، كيف أحوالك يا زنبقتي " تجيب بدلال : " توقف عن هذا الكلام ، أنا استحي " .. " أنت تستحين ؟! ها ها ها " ، يضحك ضحكة مجلجلة .. " هل أنا زنبقتك حقا؟؟" .. " بل أجمل وأحلى وأغلى زنبقة " .. "آه.. أتمنى لو أصدقك ". ينتهي الحوار بموعد مسائي جميل .. ينادي المرأة : " أريد فنجان قهوة بسرعة " . " حاضر سيدي " لا يقدر على منع نفسه من إهانتها، يعلم أنه مخطئ ، لكنه لا يستطيع التوقف عن تصرفاته الغريبة .. اعتاد على ذلك ، لو أراد الآن تغيير أسلوبه معها لعجز ، يظن أنها اعتادت هي أيضا ، ومع ذلك كلما رآها خاف من أنيابها وأظافرها .. يظن أنها ستقضي علــيه يوما ما دون سابق إنذار.. تضع حدا لفظاظته معها.. يرفع هاتفه النقال يطلب سبعة أرقام محفوظة في ذاكرة الهاتف : " آلو روحي .." " أين أنت ؟! ظننتك لن تتصل .. " " اشتقت إليك " " أتمنى لو أصدقك" " هل أنت مشغولة اليوم " " آه يا عفريت .. تتذكرني فقط عندما تريد .." " لا وغلاك.. أنت دائما في القلب" " اتمنى لو أصدقك " " الساعة السابعة في الشقة البحرية ؟" " اجعلها الخامسة لا أريد أن أتأخر" " اتفقنا " تدخل المرأة .. تحمل فنجان القهوة .. كانت تستمع إلى المخابرة قرب الباب .. " كم هو وقح !! أكرهه .. أكرهه.." يرمقها بعينيه .. تبدو عليها حالة الرهبة .. لكنه فظ وغليظ .. من أن يأتي بكلامه المعسول الذي تسمعه على الهاتف... حفظت كل كلماته المليئة بالكذب تعلم أن كل النساء اللاتي يكلمنه يعلمن أنه يكذب عليهن وأنه يدرك أنهن لا يسعين إلا لماله وهداياه ... تود لو تقفز وتقبض على عنقه وتخنقه مرة واحدة .. مرات عديدة ، فكرت أن تفعل ، لكنها تخاف منه .. تخاف من عينيه .. تخاف من يديه القويتين .. كان شعور الخوف متبادلا .. هو يأمرها وهي تقول جملة محددة : "حاضر سيدي " لم تجرؤ يوما على الرفض . تتمنى لو تسحقه تدمره تمزق أمعاءه .. يرن الهاتف في جيبه : " من .. آه حبيبتي " " لم تعرف صوتي .. يا محتال " " لا .. لا، عرفتك منذ رن الهاتف " أ " أنت كذاب خفيف الظل .. لم تتصل بي منذ فترة ؟ " " مشغول جدا " " كيف أحوالك ؟ لقد وعدتني بإسوارة ذهب ، ومنذ وعدك لي لم أرك ! " . " إنها جاهزة .. سأتصل بك عندما افرغ من عملي " " أنت كذاب كذاب ، لكنك كذاب لطيف ، على أي حال لا بأس لقد قضينا وقتا ممتعا وسأنتظرك حتى تمل من الأخريات " " باي " . سمعت الحوار من خلف الباب تعلم إنه لا يصدق مع واحدة منهن .. هكذا حياته لن يتغير .. فلماذا تظل على أمل يأمر فتستجيب لأمره دون أي كلام .. فظ معها ، لكنها سعيدة وهو لا يستطيع التخلي عنها لسر لا يعرفه .. نصحتها صديقتها أن تتجمل له أن توقعه في حبها .. تقول : " هذا الرجل ليس له قلب .. التجارة جعلته يتعامل مع الناس بالحساب .. حياته كلها بيع وشراء ونسوان .. " ومع ذلك كان في قلبها شئ من أمل .. توترت لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ، قررت ترك العمل والبحث عن عمل جديد ... فجأة انقطعت ، ذهبت دون أن تخبره بأنها ذاهبة .. شعر بفراغ كبير .. انقطع عن كل اتصالاته .. اشترى خط هاتف جديد .. منع سكرتيرته الجديدة من تحويل المخابرات النسائية إليه .. ضاقت نفسه ، لم يصدق ما حدث له .. بحث عنها في كل مكان . لم تترك عنوانها ولا رقم هاتفها .. أخيرا وجدها .. كلف كثيرا من الناس البحث عنها.. وجدها في بيت فقير بعيد في أطراف ضاحية المدينة .. قالت : " ليس عندي ما تبحث عنه .. اذهب إلى هؤلاء اللاتي يتصلن بك " . جثا أمامها .. اعتذر .. أظهر كل الخوف الذي كان يشعر به أبدى كل الرعب الذي يضمره .. لم تصدقه.. أقسم أنه صادق .. أخيرا أدرك سر المرأة التي كانت تستمع إليه وتقول : " حاضر سيدي " .. الآن صار يقول لها: " حاضر يا زوجتي الغالية " . ===>>>
|
جعلاني ذهبي
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() غير متواجد
|
![]()
حزمة المال
د.طارق البكري "انتظر حتى يأتي دورك، لم يحن الأوان بعد، ألا يمكنك أن تتحلى بشيء من الصبر". منذ بضعة أشهر وهو يسمع هذه الكلمات في كل مرة يراجع فيها المشفى الحكومي، حتى ملّ التكرار ورتابة الانتظار... جلس أكثر من ساعة في الزيّارة الأخيرة... رجلاه لم تعودا كما كانتا في الماضي، المرض نخر حتى عظامه.. قعد منتظراً قدوم الكاتب بعد أن قيل له إنه ذهب ليقضي حاجته، لكن يبدو أنّه ذهب إلى أبعد دورة مياه في المدينة.. "بالله عليك يا بنيّ ألم يحن دوري بعد؟ أنا تعبان تعبان".. قالها بحسرة وكأنّه يعرف الجواب مسبقاً... نظر الكاتب للرجل باستعلاء شديد: "إلا تفهم ألا تستوعب الكلام؟؟ أنت تحتاج إلى عمليّة جراحيّة كبيرة.. هناك عشرات مثلك ينتظرون".. ثم اقترب منه هامساً في أُذنه: " كل شيء ممكن بثمن.. فانظر كم تساوي حياتك؟". هم الرجل بضربه بقبضة يده الواهنة لكنه تراجع وقال:"كم أيها الحقير".. "ادفع ما تظنه قيمة حياتك"... ثم مضى ودخل غرفته وأغلق الباب يبتسم ابتسامة عريضة. خرج الرجل حيران أسفاً.. من أين يأتي بالمال؟ لقد حذّره الطبيب آخر مرة من خطورة حالته الصحيّة وأنّ دقّات قلبه ستتوقف عن النبض في أي لحظة إن لم تجر له عملية جراحية سريعة.. من أين يأتي بالمال ليرضي ذلك الكاتب الجشع؟؟ فكر قليلاً.. ليس لديه خيارات.. لا يملك سوى شقّة قديمة في حي فقير لا تساوي إلا قيمة تافهة من المال.. لكن ليس باليد حيلة، لم يعد هنالك مجال للتأجيل.. قادته قدماه بصعوبة إلى سمسار الحي ، وعده السمسار خيراً بعد أن شرح له ظروفه. وبعد أيام جاء المشتري وبيده كيس فيه حزمه رقيقه من المال فوقّع على بيع شقّته وحمل الكيس وتوجّه إلى المشفى: "هذه المرة لن أعود خائباً.. سوف أحصل على موعد بأسرع وقت ممكن، سأدفع له المبلغ كاملاً ، المهم أن تجرى العملية" . قطع الطريق من بيته المباع إلى المشفى بمدة قياسية.. فبعد أن كانت المسافة تستغرق نحو الساعة؛ وصل في أقل من نصف ساعة، أسرع إلى غرفة الكاتب ليرمي الكيس في وجهه وينتزع الموعد القريب... فجأه موظف آخر يجلس في مكانه.. إنه الموظف الجديد.. سأل عن الموظف القديم فقال له: "لقد فارق الحياة قبل أكثر من أسبوعين.. صدمته سيارة أمام مدخل المشفى وتوفي على الفور.. رحمة الله.. الآن قل لي ماذا تريد ؟" "اسمي جمال السيد لي طلب قديم أنا....". "مرحباً بك يا سيدي أين كنت؟؟ لم تترك عنوانك؟؟ إنّنا نبحث عنك منذ أسبوع، لقد عثرنا على أوراقك في أحد الأدراج، يبدو إنها كانت ضائعة، لقد قدمت إلى لجنة مختصة فوافقت على إجراء العملية.. وتم تحديد الموعد خلال الأسبوع المقبل يجب أن تدخل المشفى حالاً". سقط الرجل أرضاً من هول المفاجأة... بعد أسبوعين من العملية غادر المشفى وعاد إلى مزاولة عمله.. استأجر منزلاً جديداً، وظلّ دائماً يترحم على الكاتب القديم. ===>>>
|
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|